للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفارة فيما يأتى: "وفى ذى القعدة (سنة ٨٩٢ هـ) جاء قاصد من عند ملك الغرب صاحب الأندلس، وعلى يده مكاتبة من مرسله تتضمن أن السلطان يرسل له تجريدة تعينه على قتال الفرنج، فإنهم أشرفوا على أخذ غرناطة وهو فى المحاصرة معهم. فلما سمع السلطان ذلك، اقتضى رأيه أن يبعث إلى القسوس الدين بالقمامة التى بالقدس بأن يرسلوا كتاباً على يد قسيس من أعيانهم، إلى ملك الفرنج صاحب نابل، بأن يكاتب صاحب إشبيلية بأن يحل عن أهل مدينة غرناطة ويرحل عنهم، وإلا يشوش السلطان على أهل القمامة، ويقبض على أعيانهم، ويمنع جميع طوائف الفرنج من الدخول إلى القمامه ويهدمها، فأرسلوا قاصدهم وعلى يده كتاب إلى صاحب نابل، كما أشار السلطان، فلم يفد ذلك شيئاً ومَلَكَ الفرنج مدينة غرناطة فيما بعد" (١). وفى رواية ابن إياس شيىء من اللبس. ذلك أن حصار النصارى الأخير لغرناطة، لم يبدأ إلا فى مارس سنة ١٤٩١ الموافق جمادى الثانية سنة ٨٩٦ هـ، فالأمر لم يكن متعلقاً إذاً بإنقاذ غرناطة. وكانت جيوش فرناندو وإيسابيلا منذ بداية سنة ٨٩٢ هـ تتدفق حسبما رأينا على أراضى مولاى الزغل لكى تنتزع منه الثغور الجنوبية. وقد استولت على بَلِّش مالقة فى جمادى الأولى من هذا العام (مايو ١٤٨٧)، ثم زحفت توا على مالقة، وضربت حولها الحصار فى جمادى الثانية (يونيه سنة ١٤٨٧ م). وقد وصل صريخ الأندلس إلى مصر فى أواخر سنة ٨٩٢ هـ، وذلك بعد أن سقطت مالقة فى يد النصارى بنحو ثلاثة أشهر. وإذاً فمن الواضح أن هذا الصريخ كان متعلقاً بإنقاذ مالقة، وأنه كان صادراً من مولاى الزغل بطل الأندلس والمدافع عنها يومئذ، والمشفق عليها من السقوط، ولم يصدر من صاحب غرناطة وهو ابن أخيه أبو عبد الله محمد، وقد كان يومئذ يعيش آمناً فى ظل الهدنة الغادرة التى عقدها مع النصارى.

ولم يكن من الميسور على مصر أن تلبى نداء الأندلس بطريقة فعالة، فترسل إليها الأمداد أو المساعدات المادية على ما بينهما من بُعد الشقة، وعلى ما كان يشغل مصر يومئذ من الحوادث الداخلية، وتوجسها من عدوان الترك على حدودها الشمالية. ولكن مصر حاولت مع ذلك أن تعاون الأندلس بطريق الدبلوماسية، والضغط السياسى. وسلك بلاط القاهرة فى ذلك خطة تدلى بذكائه وحزمه، وتدلى بالأخص بوقوفه على مجرى الشئون الخارجية، وتطور العلائق الدبلوماسية فى هذا العصر.


(١) تاريخ مصر ج ٢ ص ٢٤٦

<<  <  ج: ص:  >  >>