للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمد فرناندو حين العودة إلى تحصين بعض الحصون القريبة من غرناطة، مثل برج الملاحة وبرج رومة وغيرهما، وشحنها بالرجال والعدد استعداداً للمعارك القادمة.

وعلى أثر ارتحال القشتاليين، خرج أبو عبد الله فى قواته يحاول استرداد بعض الحصون والمراكز القريبة، فاستولى على قرية البذول عنوة، ثم استولى على غيرها من القرى، ودبت فى المسلمين فى تلك الأنحاء روح جديدة، وثار أهل البشرّات (البشرّة) وما حولها على حكامهم النصارى، وثار أهل وادى آش فى الوقت نفسه واضطرموا لما رأوه من وثبة أبى عبد الله وعزمه بنزعة جديدة إلى المقاومة، وبعثوا إليه يطلبون عونه. وسار أبو عبد الله فى قواته يريد حصن أندَرَش (١) لما علمه من ثورة المسلمين هنالك، وكان عمه الأمير محمد بن سعد (الزغل) لا يزال به، فلما سمع بمقدمه خرج مع صحبه إلى ألمرية، وبقى بها إلى أن جاز البحر إلى المغرب كما قدمنا، واستولى أبو عبد الله على أندرش وغيرها من المحلات والحصون القريبة منها (٢)، ورتب بها حاميات من المسلمين للدفاع عنها (شعبان ٨٩٥ هـ).

واستمرت هذه المعارك المحلية مدى حين سجالا بين المسلمين والنصارى، فاسترد النصارى حصن أندرش لأسابيع قليلة من فقده، وغادره الفرسان المسلمون إذ كانوا قلة لم تستطع للعدو دفعاً. وفى شهر رمضان سنة ٨٩٥ هـ (أغسطس ١٤٩٠) خرج أبو عبد الله فى قواته إلى قرية همدان القريبة (٣)، فافتتحها واخترق المسلمون أبراجها الكثيفة، وكانوا يخشون أن تمتنع عليهم لحصانتها، واغتنموا منها مقادير وفيرة من الذخائر والأطعمة، وأسروا من حاميتها نحو مائتين، وعاد المسلمون إلى غرناطة فرحين ظافرين، وغمرت الحاضرة المسلمة موجة من البشر والتفاؤل وفى أواخر رمضان خرج أبو عبد الله فى قواته يريد افتتاح ثغر المنكّب، وإعادة الصلة بين الأندلس وشواطىء المغرب، وهى صلة يعلق عليها المسلمون أهمية خاصة، ويعتبرونها من أبواب الغوث والإنقاذ، واستولى أبو عبد الله فى طريقه على حصن شلوبانية (٤) الواقع شرقى المنكب بعد قتال عنيف؛ وعلم النصارى بمحاولة


(١) تقع أندرش Andarax جنوب شرقى غرناطة على مقربة من البحر الأبيض المتوسط.
(٢) أخبار العصر ص ٣٦ و ٣٧.
(٣) تقع قرية همدان Alhendin، جنوب غربى غرناطة على قيد بضعة كيلومترات منها.
وتراجع مواقع هذه الأماكن جميعا فى خريطة مملكة غرناطة المفصلة التى أثبتت فى أول الكتاب.
(٤) وبالإسبانية Salobrena، وقد سبق التعريف بها

<<  <  ج: ص:  >  >>