للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبى عبد الله، فهرعت حاميات بلِّش ومالقة إلى المنكب لإنجادها. ورأى أبو عبد الله أنه لا يستطيع مهاجمتها، وترامت إليه الأنباء بأن ملك قشتالة قد عاد بجنده إلى مرج غرناطة يعيث فيه فساداً وتخريباً، فارتد أدراجه. وكان فرناندو قد هاله ما حدث من الاضطراب والتصدع فى المناطق الفتوحة، فاعتزم السير من قرطبة بجيشه إلى تلك الأنحاء. والواقع أن بوادر الانتقاض والثورة كانت قد اشتدت فى وادى آش وما حولها من الضياع والقرى، وأخذ ظفر المسلمين فى تلك المعارك المحلية يذكى عزم الثوار ويشجعهم؛ وخشى النصارى عواقب هذه الحركة، فضاعفوا قوى الحاميات فى تلك الأنحاء، واحتالوا على أهل وادى آش فأخرجوا معظمهم من المدينة إلى السهول المجاورة (١). واستجاب أبو عبد الله إلى نداء أهل وادى آش وعاونهم بالرجال والدواب على نقل أمتعتهم وأموالهم، وعلى الرحيل بالأهل والولد إلى غرناطة، ونقل من تلك القرى والضياع مقادير وافرة من الحبوب والأطعمة وغيرها. وما كادت جموع المسلمين ترتد راجعة إلى غرناطة، حتى ظهر فرناندو بجيشه أمام وادى آش، ورأى أن يأخذ الأمر باللين والرفق، فأذاع الأمان لمن عاد إلى وطنه، وأذن لمن شاء بالرحيل، وغادر المسلمون وادى آش وأعمالها. وحدث مثل ذلك فى ألمرية وبسطة، فترك المسلمون بيوتهم وأوطانهم حاملين ما استطاعوا من أمتعتهم وأموالهم، وسارت منهم جموع غفيرة إلى غرناطة، وجازت جموع أخرى البحر إلى المغرب، وأقفرت تلك الأنحاء من معظم سكانها المسلمين، وبعث إليها ملك قشتالة بجموع من النصارى لتعميرها، وانتهز أبو عبد الله فرصة هذا الاضطراب، فاستولى على حصن أندَرَش للمرة الثانية، واستولى على عدد آخر من الحصون الهامة (٢).

وهنا أيقن ملك قشتالة أنه لابد لاستتاب الأمور فى المناطق الإسلامية المفتوحة، من الاستيلاء على غرناطة، التى مازالت تثير بمثلها وصلابتها روح الثورة فى تلك الأوطان المغلوبة على أمرها، فقضى الشتاء كله (سنة ١٤٩٠) فى الاستعداد والأهبة. وفى أوائل سنة ١٤٩١ خرج فرناندو فى قواته معتزماً أن يقاتل الحاضرة الإسلامية حتى ترغم على التسليم. ويقدر بعض المؤرخين هذا


(١) Lafuente Alcantra: ibid ; V. III. p. ٥٣
(٢) أخبار العصر ص ٣٨ - ٤٨؛ ونفح الطيب ج ٢ ص ٦١٤. وراجع أيضاً: Prescott ibid; p. ٢٩٠ & ٢٩١، ويوجد فرق يسير فى التفاصيل بين الروايتين الإسلامية والنصرانية

<<  <  ج: ص:  >  >>