للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجيش الذى أُعد لافتتاح غرناطة بخمسين ألف مقاتل من الفرسان والمشاة، ويقدره البعض الآخر بثمانين ألفاً (١)، وزود فرناندو جيشه بالمدافع والعدد الضخمة، والذخائر والأقوات الوفيرة. وأشرف ملك قشتالة بجيشه على فحص غرناطة La Vega الواقع جنوب غربى الحاضرة الإسلامية، فى اليوم الثالث والعشرين من ابريل سنة ١٤٩١ م (١٢ جمادى الثانية سنة ٨٩٦ هـ) وعسكر على ضفاف نهر شَنيل، على قيد فرسخين من غرناطة، فى ظاهر قرية تسمى "عتقة". وأرسل فى الحال بعض جنده إلى حقول البشرّات القريبة التى تمد غرناطة بالمؤن فأتلفوا زروعها، وهدموا قراها، وأمعنوا فى أهلها قتلا وأسراً، وحولوا المرج الأخضر إلى بسيط من القفر الموحش، وقطعوا بذلك عن غرناطة مورداً من أهم مواردها (٢).

وضرب فرناندو حول الحاضرة الإسلامية الحصار الصارم، وصمم على متابعته حتى تفتح أو تستسلم، وقرر تأكيداً لهذا العزم أن ينشىء لجيشه فى المكان الذى عسكر فيه، مدينة مسوّرة تقيه برد الشتاء إذا ما حل، وتم بناء هذه المدينة الجديدة فى ثلاثة أشهر، وأسمتها الملكة إيسابيلا (سانتا فيه) Santa Fé وبالعربية (شنتفى) أو الإيمان المقدس، وذلك تنويهاً بالمغزى الدينى لهذه الحرب الصليبية، وما زالت هذه المدينة التاريخية تقوم حتى اليوم، فى المكان الذى أنشئت فيه على قيد مسافة قريبة من جنوب غربى غرناطة. ويصفها المؤرخ الإسبانى بأنها (المدينة الإسبانية الوحيدة التى لم تطأها قط قدم مسلم (٣).

- ٢ -

وهكذا بدأ الفصل الأخير فى الصراع بين النصرانية والإسلام فى اسبانيا؛ ولم يك ثمة شك فى نتيجة هذا الصراع، الذى أعدت له اسبانيا النصرانية عدتها الحاسمة، ومهدت له جميع الوسائل والسبل. بلد إسلامى وحيد هو البقية الباقية من دولة عظيمة تالدة، يحيط به العدو كالموج الزاخر من كل ناحية، مزوداً بالعُدد والمؤن الموفورة، وقد قطعت كل موارده وصلاته مع الخارج. وكان هذا موقف غرناطة آخر الحواضر الإسلامية بالأندلس فى صيف سنة ١٤٩١ م. على


(١) Prescott: ibid ; p. ٢٩١
(٢) أخبار العصر ص ٤٤ و Prescott: ibid ; p. ٢٩٤
(٣) Prescott: ibid ; p. ٢٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>