للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرزاق الوزراء يومئذ إلى ثلاثمائة وخمسين ديناراً في الشهر (١).

وتفيض الرواية في مناقب هذه الجمهرة من الوزارء والقادة، الذين اجتمعوا في بلاط عبد الرحمن بن الحكم، وتصفهم بأنهم "عصابة من سراة الوزراء، أولى الحلوم والنهي، لم يجتمع مثلها عند أحد من الخلفاء قبلهم ولابعدهم ". ويتقدم هذا الثبت الحافل رجلان، كان لهما في تنظيم حكومة عبد الرحمن وسياسته أعظم الأثر، أولهما الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث حاجب أبيه الحكم من قبل، وهو الذي يصفه الرازي بأنه " أكمل من حمل هذا الاسم، وأجمعهم لكل جملة حسنة ".

وكان عبد الكريم، فضلا عن براعته الإدارية، مثل جده مغيث فاتح قرطبة، من أعظم قادة هذا العصر، وقد قاد حسبما تقدم في مواضعه، عدة من الحملات الغازية المظفرة. ولما توفي في سنة ٢٠٩ هـ (٨٢٤ م) خلفه في الحجابة سفيان بن عبد ربه وهو من البربر، ولم تكن له نباهة سابقة، ثم عيسى بن شُهيد، وهو ثانى الرجلان. وكان عيسى من أعيان موالي بني أمية، وكان أيضاً من وزراء الحكم، أوصى به ولده عبد الرحمن، فلما ولى الأمر قدمه على خاصته، ثم ولاه خطة الخيل، ثم خلع عليه رتبة الوزارة، وعهد إليه بالنظر في المظالم، وتنفيذ الأحكام على طبقات أهل المملكة. ثم ولاه الحجابة بعد سفيان. واشتهر عيسى بالحلم والوقار وحصافة الرأي، والمعرفة والجزالة، وقاد كثيراً من الصوائف المظفرة. بيد أنه استهدف لخصومة الفتى نصر الخصي المسيطر على شئون القصر، والأثير لدى الأمير بمظاهرته لحظيته طروب، فلبث يدس له ويعمل على إقصائه من الحجابة، حتى تم له ذلك، حينما مرض عبد الرحمن وطال احتجابه. وعين مكانه للحجابة عبد الرحمن بن رستم. فلما أبل الأمير من مرضه أنكر ما وقع، وأنحى باللائمة على نصر، وأعاد عيسى بن شهيد إلى الحجابة، فلم يزل على حجابته حتى توفي عبد الرحمن. قال ابن القوطية: " لم يختلف أحد من شيوخ الأندلس في أنه ما خدم ملوك بني أمية فيها أحد أكرم من عيسى بن شهيد غاية، ولا أكرم اصطناعاً، ولا أدعى لذمته. ولقد كان الحاجب قبله عبد الكريم ابن عبد الواحد بن مغيث بهذه الصفة، على زيادة خصاله وأدواته على عيسى،


(١) ابن القوطية ص ٦١، و٦٢، وكذلك مخطوط ابن حيان ص ١٤٤. ومخطوط القرويين لوحة ١٩٦ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>