للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوفي عبد الرحمن بن الحكم في الثالث من ربيع الثاني سنة ٢٣٨هـ (٢٣ سبتمبر ٨٥٢ م) في الثانية والستين من عمره، بعد أن حكم إحدى وثلاثين عاماً وبضعة أشهر. وكان أسمر طويلا، وسيم المحيا، أشم، أقنى، أعين، أسود العينين، بهي الطلعة، بهيج الزي، كبير اللحية. نقش خاتمه: " عبد الرحمن بقضاء الله راض " (١)، ويكنى أبا المطرِّف، ويعرف بعبد الرحمن الأوسط أو الثاني، والأول هو جده عبد الرحمن الداخل، والثالث هو عبد الرحمن الناصر. وكان مثل أبيه الحكم، أميراً وافر البأس والعزم، رفيع الخلال، يسمو بمكانته ويحتجب عن العامة، ويعشق مظاهر البذخ والفخامة. وفي عهده وصل البلاط الأموي إلى درجة لم تسبق من البهاء والروعة، وبدت الأرستقراطية العربية في أبدع مظاهرها، وسطعت الفروسية الأندلسية، وتجلت خلالها الباهرة التي غدت فيما بعد مثلا يحتذى في مجتمعات العصور الوسطى، وعنها اقتبست فروسة النصرانية فيما تلا من العصور. ورتبت رسوم المملكة أبدع ترتيب، ورفع من شأن الوظائف العامة، وأحيطت بسياج من الهيبة والمسئولية، وجعل " أحكام السوق " منصباً مستقلا عن ولاية المدينة، واتبعت رسوم الخلفاء في الزينة والشكل وترتيب الخدمة (٢)، ووضعت خطة الوزارة المنظمة.

وتنوه الرواية الإسلامية بمقدرة عبد الرحمن، وحسن اختياره لرجالات حكومته. فيقول لنا الرازي: " وانتقى الرجال للأعمال، واستوزر الأكفاء، من أهل الاكتفاء، وقدوة الأبطال ذوي الغناء، فظهر في أيامه جلة الوزراء وكبار الفقهاء ". وكان من وزرائه عدة من أعظم وألمع رجالات العصر، مثل الحاجب عبد الكريم، والقائد عيسى بن شُهيد، ويوسف بن بخت، وهاشم بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن رستم، وحسن بن عبد الغافر بن أبي عبده، ومحمد بن السليم، ومحمد بن عبد السلام بن بسيل، وعبد الواحد بن يزيد الإسكندرانى، وغيرهم. وكان الوزراء يختلفون إلى القصر بطريقة منظمة للبحث والمداولة وإبرام الشئون في جناح خاص، سمي " بيت الوزارء "، وانتهت


(١) ابن الأثير ج ٧ ص ٢٢؛ وابن حيان عن الرازي، المخطوطة الأولى ص ١١١؛ والثانية لوحة ١٩٤ ب.
(٢) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٦١؛ والبيان المغرب ج ٢ ص٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>