سرح الناس الذين كانوا عنده مرتهنين، ومُؤمّنين فى أموالهم وأنفسهم مكرمين.
وأقبل فى جيوشه حين أطمأن، فدخل مدينة الحمراء فى بعض خواصه، وبقى الجند خارج البلد، وبقى يتنزه فى الحمراء فى القصور والمنارة المشيدة إلى آخر النهار، ثم خرج بجنوده وصار إلى محلته. فمن غد أخذ فى بناء الحمراء وتشييدها، وتحصينها وإصلاح شأنها، وفتح طرقها، وهو مع ذلك يتردد إلى الحمراء بالنهار ويرجع بالليل لمحلته، فلم يزل كذلك إلى أن اطمأنت نفسه من غدر المسلمين، فحينئذ دخل البلد، ودار فيه فى نفر من قومه وحشمه ... " (١).
...
وهكذا اختتمت المأساة الأندلسية، واستولى القشتاليون على غرناطة آخر الحواضر الإسلامية فى اسبانيا، وخفق علم النصرانية ظافراً فوق صرح الإسلام المغلوب، وانتهت بذلك دولة الإسلام بالأندلس، وطويت إلى الأبد تلك الصفحة المجيدة المؤثرة من تاريخ الإسلام، وقُضى على الحضارة الأندلسية الباهرة، وآدابها وعلومها وفنونها، وكل ذلك التراث الشامخ، بالفناء والمحو.
شهد المسلمون احتلال العدو الظافر لحاضرتهم ودار ملكهم، وموطن آبائهم وأجدادهم، وقلوبهم تتفطر حزناً وأسى. على أن هذه المناظر المحزنة، كانت تحجب مأساة أليمة أخرى؛ تلك هى مأساة الملك التعس أبى عبد الله آخر ملوك بنى الأحمر وآخر ملوك الإسلام بالأندلس.
فقد تقرر مصيره، وبينت حقوقه وامتيازاته وفقاً للمعاهدة السرية التى عقدت يينه وبين الملكين الكاثوليكيين. وقد نصت المعاهدة المذكورة على أن يقطع أبو عبد الله طائفة من الأراضى والضياع فى برجة ودلاية وأندرش وأجيجر وأرجبة ولوشار وبضعة بلاد أخرى من أعمال منطقة البشرّات، وهذه البلاد يقع بعضها فى جنوب غربى ولاية ألمرية، والبعض الآخر قبالتها فى جنوب شرقى ولاية غرناطة، وأن يحكم أبو عبد الله فى هذه المنطقة باسم ملك قشتالة وتحت حمايته، ويتمتع بدخلها وسائر غلاتها وحقوقها. وقد حددت إقامته، أو اختار هو الإقامة فى إحداها وهى بلدة أندَرَش الواقعة على النهر الأخضر شمالى ثغر أدرة الصغير.
ولما اقترب اليوم المروع -يوم التسليم- قام أبو عبد الله باتخاذ أهبته للرحيل مع أهله وحشمه وخاصته. وفى صباح اليوم الثانى من يناير سنة ١٤٩٢ م، فى الوقت