للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤثر لشاعر أندلسى مجهول، يبدو أنه عاصر حوادث المحنة من بدايتها حتى نهايتها.

وإليك مقتطفات من تلك المرثية المشجية التى رتبت وفقاً للوقائع والتواريخ:

أحقاً خبا من جو رندة نورها ... وقد كسفت بعد الشموس بدورها

وقد أظلمت أرجاؤها وتزلزلت ... منازلها ذات العسلا وقصورها

فيا ساكنى تلك الديار كريمة ... سقى عهدكم مزن يصوب نميرها

أحقاً أخلائى القضاء أبادكم ... ودارت عليكم بالصروف دهورها

فقتل وأسر لا يفادى وفرقة ... لدى عرصات الحشر يأتى سفيرها

...

فواحسرتا كم من مساجد حولت ... وكانت إلى البيت الحرام شطورها

وواأسفا كم من صوامع أوحشت ... وقد كان معتاد الأذان يزورها

فمحرابها يشكو لمنبرها الجوى ... وآياتها تشكو الفراق وسورها

وكم طفلة حسناء فيها مصونة ... إذا أسفرت يسبى العقول سفورها

فأضحت بأيدى الكافرين رهينة ... وقد هتكت بالرغم منها ستورها (١)

وكم فيهم من مهجة ذات ضجة ... ترد لو انضمت عليها قبورها

لها روعة من وقعة البين دائم ... أساها وعين لا يكف هديرها

وكم من صغير فى حجر أمه ... فأكبادها حراء لفح هجيرها

وكم من صغير بدل الدهر دينه ... وهل يتبع الشيطان إلا صغيرها

...

لأندلس ارتجت لها وتضعضعت ... وحق لديها محوها ودثورها

منازلها مصدورة وبطاحها ... مدائنها موتورة وثغورها

تهانمها مفجوعة ونجودها ... وأحجارها مصدوعة وصخورها

وقد لبست ثوب الحداد ومزقت ... ملابس حسن كان بزهو حبورها

فأحياؤها تبدى الأسى وجمادها ... يكاد لفرط الحزن يبدو ضميرها

فمالقة الحسناء ثكلى أسيفة ... قد استفرغت ذبحاً وقتلا حجورها

وجزت نواصيها وشلت يمينها ... وبدل الويل المبين سرورها


(١) يكرر الشاعر فى هذه الأبيات نفس المعانى التى وردت فى مرثية أبى الطيب الرندى الشهيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>