للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يتحقق من جهة أخرى ما كانت ترجوه مصر بتدخلها السياسى لدى ملوك النصرانية من أثر ملطف فى سير الحوادث الأندلسية. وقد كانت مصر بالرغم من بعدها تتبع أحوال الأندلس باهتمام خاص، لم ينتقص منه سوى اضطراب شئونها الداخلية فى ذلك الحين. ولما استولى النصارى على غرناطة، وحققت بذلك أمنية اسبانيا التاريخية كاملة شاملة، لم ينس ملك قشتالة ما جاء فى سفارة سلطان مصر من وعيد بأنه ينكل برعاياه النصارى، ولم يقنع بالخطاب الذى وجهه إليه على يد سفيريه الراهبين. فلما استقرت الأمور وخضعت سائر الأراضى الإسلامية، رأى فرناندو أن يسعى إلى إقناع سلطان مصر، بما يلقاه مسلمو الأندلس من الرعاية والرفق فى ظل الحكم الجديد، فأوفد إلى بلاط القاهرة سفارة جديدة. وكان سفيره إلى السلطان هو بيترو مارتيرى دى أنجلريا، وهو حبر نابه، وكاتب ومؤرخ كبير، وكان من مستشارى الملك. ندبه فرناندو لهذه السفارة فى أغسطس سنة ١٥٠١، وزوده بالكتب والوثائق اللازمة. ووصل مارتيرى إلى الإسكندرية بعد رحلة بحرية شاقة عن طريق إيطاليا واليونان فى أواخر شهر ديسمبر، ثم وصل إلى القاهرة فى آخر يناير، وكان سلطان مصر فى ذلك الحين الملك الأشرف جان بلاط، فاستقبل سفير الملكين الكاثوليكيين عقب وصوله برفق ورعاية، ولكن نقلت إليه على أثر ذلك أقاويل كثيرة من بعض الأشراف والمغاربة والأندلسيين المنفيين، الذين استنكروا مسلكه وتكريمه لسفير ملك استولى على أراضى المسلمين فى الأندلس، وهو الآن يسومهم الخسف والعذاب. فبعث إلى السفير يرجوه الانصراف من حيث أتى خوفاً من سوء العواقب، ولكن مارتيرى بعث إلى السلطان يشرح له خطورة الأمر، ويصف عظمة مليكيه، وروعة سلطانهما الباذخ الذى يمتد حتى أواسط البحر الأبيض المتوسط، وكونهما يستطيعان الانتقام والإضرار بمن يسىء إليهما. فعاد السلطان واستقبله فى مقابلة سرية خاصة استمرت من الصباح إلى الظهر. وكان ذاك فى السادس من فبراير سنة ١٥٠٢ (شعبان سنة ٩٠٧ هـ)، وألقى مارتيرى بين يديه خطاباً ضافياً فند فيه ما ينسب لمليكه من الاستيلاء ظلماً على غرناطة، واضطهاده للمسلمين، وقهرهم على التنصير؛ وبين مارتيرى حق سيده فى الفتح، وكونه يحكم مئات الألوف من الرعايا المسلمين الذين يعيشون فى بلنسية وأراجون، وهم جميعاً يتمتعون بشعائرهم أحراراً، واستطاع بكياسته وبراعته، أن يقنع السلطان بصدق رسالته، وحسن نيات مليكيه، وقدم إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>