للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطان شهادات من حكام الثغور المغربية، تفيد بأن المسلمين المهاجرين إلى المغرب يصلون إلى الشواطىء مع نسائهم وأولادهم فى أمن وسلام، ويلقون من مندوبى الملكين كل رفق ورعاية (١)، واستطاع فوق ذلك بذلاقته أن يقنع السلطان بأن يجيب مطالبه فى إعفاء نصارى بيت المقدس من طائفة من المغارم والفروض.

ويصف لنا مارتيرى قصر السلطان بأنه يقوم على ربوة، على نمط قصر الفاتيكان فى رومة، وقصر الحمراء فى غرناطة؛ ويصف السلطان بأنه رجل فى نحو الخمسين من عمره، ذو لحية كعادة أهل البلاد، ولكن صغيرة نحيلة، وهو مهيب الطلعة ذو وجه عبل أسمر، وهيئة حوشية نوعاً، وعينين صغيرتين غائرتين؛ وحركاته ثقيلة، وقوامه فوق المتوسط حسبما يبدو من جلسته، وهو يرتدى ثوباً لا يختلف كثيراً عما يسميه أهل غرناطة "بالجبة".

ويورد مارتيرى أثناء وصف حوادث سفارته نبذة طويلة عن تاريخ مصر الإسلامية، ووصفاً ضافياً للقاهرة والنيل والأهرام، ووصفه قوىّ شائق (٢).

وهكذا كان الصدى الأليم الذى أثارته حوادث الأندلس فى الأمم الإسلامية يخبو شيئاً فشيئاً. ولم تمض أعوام قلائل حتى أسدل عليها فى المشرق حجاب من النسيان ولكن ذكرى الأندلس وحوادثها، لبثت حية قوية فى عدوة المغرب عصوراً أخرى. ذلك أن المأساة الأندلسية لم تنته بسقوط غرناطة، بل كان عليها أن تجوز ثمة فصولا مفجعة أخرى، قبل أن تصل إلى نهايتها. وكانت هذه الفواجع أول ما تلقى صداها العميق فى الضفة الأخرى من البحر، حيث كانت العدوة دائما ملاذ الضحايا الأخير.

- ٢ -

ولنبدأ الحديث عن مصير الملك المنكود أبى عبد الله محمد بن علىّ آخر ملوك الأندلس، فقد غادر غرناطة، ساعة استيلاء النصارى عليها، وسار مع آله وصحبه وحشمه إلى منطقة البشرّات، واستقر هنالك فى بلدة أنْدَرَش، وهى إحدى


(١) Marmol: ibid ; Lib. I. Cap. XXVI
(٢) بيتر ومارتيرى دى أنجلريا Pietro Martiri de Angleria إيطالى النشأة، ولد سنة ١٤٥٥ وتوفى سنة ١٥٢٥. وكان حبراً وكاتباً كبيراً. شهد حرب غرناطة الأخيرة إلى جانب فرناندو. وكتب عن سفارته إلى مصر باللاتينية كتاباً خاصاً عنوانه Legatio Babylonico، وقد ترجم إلى الإسبانية بعنوان Una Embajada de los Reyes Catolicos a Egipto ( سفارة من الملكين الكاثوليكيين إلى مصر) وقد نقلنا منه ملخص هذه السفارة حسبما تقدم. ولمارتيرى مؤلفات أخرى فى تاريخ اسبانيا فى ذلك العصر

<<  <  ج: ص:  >  >>