للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزيره وكاتبه، محمد بن عبد الله العربى العقيلى، فى رسالة مستفيضة قوية مؤثرة، موجهة إلى ملك فاس، وجعل لها عنواناً شعرياً مشجياً هو: "الروض العاطر الأنفاس فى التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس". وقد كان العقيلى من أعلام البلاغة فى هذا العصر.

ولما عول أبو عبد الله على الرحيل إلى المغرب جاز العقيلى البحر مع أميره، وجازت قبل سقوط غرناطة وبعده إلى المغرب جمهرة كبيرة من أقطاب العلم والأدب، هم البقية الباقية من مجتمع الأندلس الفكرى (١). وللعقيلى آثار فى النظم والنثر، تبدو لروعتها كأنها نفثات أخيرة، لآداب الأندلس المحتضرة، وكان دفاع أبى عبد الله من أبدعها وأروعها.

ونقل إلينا المقرى مؤرخ الأندلس هذا الدفاع الشهير بنصه فى مؤلفه الجامع "نفح الطيب"، وكذلك فى كتابه "أزهار الرياض" (٢). وقد قدم له كاتبه بعد الديباجة بقصيدة رائعة جاء فى مطلعها:

مولى الملوك ملوك العرب والعجم ... رعيا لما مثله يرعى الذمم

بك استجرنا وأنت نعم الجار لمن ... جار الزمان عليه جور منتقم

حتى غدا ملكه بالرغم مستلباً ... وأفظع الخطب ما يأتى على الرغم

حكم من الله حتم لا مرد له ... وهل مرد لحكم منه منحتم

وهى الليالى وقاك الله صولتها ... تصول حتى على الآساد فى الأجم

كنا ملوكاً لنا فى أرضنا دول ... نمنا بها تحت أفنان من النعم

فأيقظتنا سهام للردى صُيبٌ ... يُرمى بأفجع حف من بهن رُمى

فلا تنم تحت ظل الملك نومتنا ... وأى ملك بظل الملك لم ينم

يبكى عليه الذى كان يعرفه ... بأدمع مزجت أموالها بدم

ومنها فى التوسل والاعتذار وهو لب موضوعها:

وصل أواصر قد كانت لنا اشتبكت ... فالملك بين ملوك الأرض كالرحم

وابسط لنا الخلق المرجو باسطه ... واعطف ولا تنحرف واعذر ولا تلم

لا تأخذنا بأقوال الوشاة ولم ... نذنب ولو كثرت أقوال ذى الوخم

فما أطقنا دفاعاً للقضاء وما ... أرادت أنفسنا ما حل من نقم


(١) راجع أزهار الرياض ج ١ ص ٧١.
(٢) نفح الطيب ج ٢ ص ٦١٧ - ٦٢٨، وأزهار الرياض ج ١ ص ٧٢ - ١٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>