بيد أنه يدفع عن نفسه تهم التفريط والزيغ والخيانة ويقول:
"فمثلى كان يفعل أمثالها، ويحمل من الأوزار المضاعفة أحمالها، ويهلك نفسه ويحيط أعمالها، عياذاً بالله من خسران الدين، وإيثار الجاحدين والمعتدين، قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين. وايم الله لو علمت شعرة فى فودى تميل إلى تلك الجهة لقلعتها، بل لقطفت ما تحت عمامتى من هامتى وقطعتها. غير أن الرعاع فى كل وقت وأوان، للملك أعداء وعليه أحزاب وأعوان ... وأكثر ما تسمعه الكذب، وطبع جمهور الخلق إلا من عصمه الله إليه منجذب، ولقد قذفنا من الأباطيل بأحجار، ورمينا بما لا يرمى به الكفار، فضلا عن الفجار، وجرى من الأمر المنقول على لسان زيد وعمرو، ما لكم منه حفظ الجبار ... أكثر المكثرون، وجهد فى تعثيرنا المتعثرون، ورمونا عن قوس واحدة، ونظمونا فى سلك الملاحدة. أكفراً أيضاً كفراً، غفراً اللهم غفراً. وهل زدنا على أن طلبنا حقنا ممن رام محقه ومحقنا، فطاردنا فى سبيله عُداة كانوا لنا غائظين، فانفتق علينا فتق لم يمكنا له رتق، وما كنا للغيب حافظين".
ثم يقول أبو عبد الله، لئن كان قد نزل به القضاء فثلَّ عرشه، ونُكس لواؤه، ومُلِك مثواه، فهو مِثْل من سواه فى ذلك. ولئن كان مروعاً مصير غرناطة ومصير ملكها وأنجادها، فإنها لم تنفرد بين قواعد الإسلام بذلك المصير المحزن، ألم يقتحم التتار بغداد، عروس الإسلام ومثوى الخلافة، ومهد العلوم، ويستبيحوا ذمارها وحُرَمها، ويسحقوا الخلافة وكل معالمها ورسومها؟ وماذا كانت تستطيع غرناطة إزاء قدر محتوم، وقضاء لا مرد له؟ " والقضاء لا يرد ولا يصد، ولا يغالب ولا يطالب، والدائرات تدور، ولابد من نقص وكمال للبدور، والعبد مطيع لا مطاع، وليس يطاع إلا المستطاع، وللخالق القدير جلت قدرته، فى خليقته علم الغيب، للأذهان عن مداه انقطاع".
ثم يعطف إلى التجائه إلى ساحة السلطان بقوله:"وأبيها لقد أرهقتنا إرهاقاً، وجرعتنا من صاب الأوصاب كأساً دهاقاً، ولم نفزع إلى غير بابكم المنيع الجناب، المتفتح حين سدت الأبواب، ولم نلبس غير لباس نعمائكم، حين خلعنا ما ألبسنا الملك من الأثواب. وإلى أمه يلجأ الطفل لجأ اللهفان، وعند الشدائد تمتاز السيوف من الأجفان، ووجه الله تعالى يبقى، وكل من عليها فان".
ويشير أبو عبد الله إلى رفضه لما عرضه عليه ملك اسبانيا، من الإقامة فى كنفه