وقد خطوت خطاهم فى مآثرهم ... فلم يُذمُّوا إذن فيها ولم تُذم
وهى طويلة فى أكثر من مائة بيت، وفيها يعطف الشاعر بعد ذلك على مديح ملوك فاس، وجهادهم فى الأندلس، والإشادة بعلائقهم القديمة مع بنى الأحمر ملوك غرناطة، ومما يقول فى ذلك:
أهل الحفيظة يوم الروع يحفظهم ... من عصمة الله ما يربى على العِصم
بأس تطير شرار منه محرقة ... لكل مدَّرع بالحزم محتزم
هم بطائفة التثليث قد فتكوا ... كمثل ما يفتك السرحان بالغنم
وإن يلثِّمهم يوم الوغى رهج ... أنسوْك ما ذكروه من ذوى اللُّسم
تضىء آراؤهم فى كل معضلة ... إضاءة السُّرج فى داج من الظلم
هذا ولو من حياء ذاب محتشم ... لذاب منهم حياء كل محتشم
طابت مدائحهم إذ طابت انفسهم ... فاشتقت النسمات اسما من النَّسم
وفى مديح السلطان القائم أبى عبد الله الوطاسى قوله:
أنسى الخلائف فى حلم وفى شرف ... وفى سخاء وفى علم وفى فهم
فجاز معتمداً منهم ومعتضداً ... وامتاز عن قائم منهم ومعتصم
وناصر الدين فى الإقبال فاق وفى ... محبة العلم أزرى بابنه الحكم
أفعال أعدائه معتلة أبداً ... متى يرم جزمها بالحذف تنجزم
ويلى هذه القصيدة الطويلة دفاع أبى عبد الله المنثور، فى أسلوب يفيض قوة وبياناً، وفيه يشير أبو عبد الله إلى حوادث الأندلس، ويعتذر عن محنته، ويعترف بخطئه فى عبارات مؤثرة، ويقول بعد الديباجة موجهاً خطابه إلى سلطان فاس:
"هذا مقام العائذ بمقامكم، المتعلق بأسباب ذمامكم، المترجى لعواطف قلوبكم، وعوارف إنعامكم، المقبل الأرض تحت أقدامكم، المتلجلج اللسان عند محاولة مفاتحة كلامكم. وماذا الذى يقول من وجهه خَجِل، وفؤاده وجل، وقضيته المقضية عن التنصل والاعتذار تجل. بيد أنى أقول لكم ما أقوله لربى، واجترائى عليه أكثر، واجترامى إليه أكبر: اللهم لا برىء فأعتذر، ولا قوى فأنتصر، لكنى مستقيل مستنيل، مستعتب مستغفر، وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء".
"على أنى لا أنكر عيوبى، فأنا معدن العيوب، ولا أجحد ذنوبى فأنا جبل الذنوب، إلى الله أشكو عُجرى وبُجرى وسقطاتى وغلطاتى ... "