للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستكثر عبد الرحمن أيضاً من اقتناء الجواري الحسان، وكان كلفاً شديد الشغف بهن، وكان يعني باختيارهن من أطيب العناصر والأصول، واجتمعت لديه منهن نخبة بارعة في الحسن والخلال، مثل طروب أم ولده عبد الله، ومؤمرة أم ولده المنذر، وشفاء أم ولده المطرِّف، وفخر ومتعة وغيرهن، وأنجب عبد الرحمن من الولد عدداً ضخماً بلغ وفقاً لابن حزم مائة، خمسين من الذكور، ومثلهم من الإناث، وذكر الرازي أن عدد أولاده من الذكور أربعون، وسماهم واحداً واحداً، وأن عدد بناته ثلاثة وأربعون، ذكر أسماءهن جميعاً (١). وبلغ الجواري كالفتيان من النفوذ مبلغاً عظيماً. واشتهرت من بينهن طروب حظية عبد الرحمن الأثيرة لديه، وقد اشتد نفوذها في أواخر أيامه، وظاهرت نصراً الفتى، فكانت لهما الكلمة النافذة في معظم الشئون، وكان عبد الرحمن يشغف بها أعظم شغف، وهو القائل فيها:

إذا ما بدت لى شمس النها ... ر طالعة ذكرتني طروبا

وعنى عبد الرحمن بالمنشآت العامة أعظم عناية، فزاد في مسجد قرطبة الجامع بهوين جديدين من جانب القبلة، وقام على عمارته الفتى نصر. وما زال هذا الجامع الشهير قائماً إلى اليوم بسائر عقوده الإسلامية، وأروقته ومحاريبه. ولكنه حول منذ القرن السادس عشر إلى كنيسة قرطبة العظمى (كتدرائية)، وبالرغم من أن الهياكل قد أقيمت في سائر عقوده الجانبية، وأقيم في وسطه مصلى عظيم على شكل صليب، فإنه ما زال يحمل بالإسبانية اسمه الإسلامي القديم " المسجد الجامع " Mezqnita Aljama La، وقد أزيلت قبابه ومعظم زخارفه الإسلامية، لتحل مكانها الزخارف النصرانية. ولكن محاريبه الفخمة، مازالت تحتفظ بنقوشها الإسلامية، وآياتها القرآنية.

ويقع جامع قرطبة في طرف المدينة الجنوبي وسط شبكة من الدروب الأندلسية القديمة، على مقربة من القنطرة الرومانية العربية القائمة على نهر الوادي الكبير.

ويبلغ طوله ١٨٥ متراً وعرضه ١٣٥ متراً. وله عدة أبواب كبيرة فخمة، مازالت تحتفظ بكثير من نقوشها الإسلامية. ويعرف بابه الرئيسي المقابل لصحنه


(١) راجع جمهرة أنساب العرب لابن حزم (القاهرة)، ص ٩٠، وابن حيان (مخطوط القرويين) لوحة ١٩٤ ب و١٩٥ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>