سدت المنافذ والطرق بين مختلف الأجنحة. وعلى الجملة فقد تركت الحكومات الإسبانية المتعاقبة هذا الأثر الإسلامى العظيم فى زوايا الإهمال، وأسلمته إلى يد العفاء والتخريب، ولم تعن بإصلاحه وترميمه فى العصور الأولى إلا مرة واحدة، فى أواسط القرن السادس عشر. وفى سنة ١٥٩٠ وقع بالحمراء حريق تسبب عن انفجار مصنع بارود مجاور، فأصابها بأضرار كبيرة. ومنذ القرن السابع عشر تغلب مظاهر الخراب على الحمراء، ويسودها النسيان والوحشة. وفى سنة ١٨٠٢ م -أيام الغزو النابليونى- نسف الفرنسيون بعض أبراجها ولم ينج القصر إلا بأعجوبة.
وفى أواسط القرن التاسع عشر، أفاقت الحكومة الإسبانية من سباتها الطويل، وعنيت بإصلاح الحمراء وترميمها، واستمر الترميم والإصلاح فيها زهاء نصف قرن، وتبدو الحمراء اليوم فى ثوبها المجدد، وقد جددت الزخارف والنقوش القديمة فى معظم الأبهاء، وفقاً لأوضاعها ونصوصها القديمة، ولكن تتخللها أخطاء المطابقة والنقل فى مواطن كثيرة.
ولكن الحمراء مازالت بالرغم من كل ما أصابها من ضروب التشويه والإهمال، تعتبر أعظم الآثار الأندلسية الباقية، كما تعتبر نموذج للفن الأندلسى فى تطوره النهائى، بعد تحرره من أثر الفن البيزنطى. وهى اليوم علم على غرناطة تشتهر بها عاصمة الأندلس القديمة فى سائر الآفاق، ويهرع إليها الرواد من كل صوب ليصعدوا إلى هضبة الحمراء، ويقضون لحظات فى تأمل صرحها الرائع (١).
...
وقد لبثت الحمراء بأبراجها المنيعة، وأجنحتها الملوكية البديعة، زهاء قرنين مقاماً فخماً لملوك غرناطة، وحصناً أميناً يعتصمون به وقت الخطر والأزمات العامة، حتى شهدت فى النهاية ذهاب ملكهم، كما شهدت من قبل عظمتهم وسلطانهم.
وإلى جانب الحوادث التاريخية التى كانت الحمراء مسرحها، والتى فصلناها فى مواضعها، تتبوأ القصة والأسطورة فى تاريخ الحمراء مكاناً كبيراً، وتقدم للقصصى مادة شائقة مؤثرة. ويرجع معظم هذا القصص إلى الفترة الأخيرة من حياة مملكة غرناطة، وإلى حوادث مصرعها النهائى، وقد كانت الحمراء كما رأينا مسرح كثير من حوادث المأساة، وكانت بالأخص مسرح فصلها الختامى.
(١) هذا وقد رجعنا فى كتابة هذا الفصل أيضاً إلى كتاب Alhambra المنشور بعناية السنيور M. Gomez - Moreno فى سلسلة El Arte en Espana