أجل إن للحمراء إلى جانب تاريخها الحافل، تراثها من القصص والأساطير، وهو تراث يمتزج أحياناً بالتاريخ الحق، ويجنح أحياناً إلى الأسطورة الشائقة.
بيد أنه يثير الشجن دائما، وينفث الإعجاب والسحر. ذلك أنه مستمد من الحوادث والذكريات العظيمة، التى ترتبط بتاريخ غرناطة، ومن الروايات المؤثرة التى ذاعت عن مصرعها، وعن بسالة فروستها، حين المعركة الحاسمة، وعن خلال مجتمعها، ومخاوفه وهواجسه وآماله. وإذا كان المؤرخ لا يجد فى هذا التراث دائماً، مادة وثيقة يستطيع الوقوف بها، فإنه يجد على الأقل صوراً مؤثرة مما تسبغه الروايات المعاصرة، على تلك الحوادث العظيمة، من ألوان الروع والشجن والأسى.
وفى هذه الحوادث المشجية يغلب التاريخ على الرواية والقصة. ولكن توجد إلى جانب ذلك طائفة من الأساطير الشائقة، التى أحاطت بها الرواية الإسبانية قصة الحمراء، وقصة أبهائها وأبراجها. وأول ما يروى فى ذلك أن منشىء قصر الحمراء السلطان محمد الغالب بالله (ابن الأحمر)(٦٧١ - ٧٠١ هـ) كان ساحراً، وأنه استعان بالسحر والشياطين فى إنشاء الحصن والقصر، ومن ثم استطاعت الجدران والأبراج المنيعة أن تغالب فعل الحوادث والعواصف والزلازل حتى يومنا، دون أن تتصدع أو تنهار. والسر فى ذلك يرجع إلى الطلاسم والتعاويذ السحرية التى تحمى البناء من كل شر. وتقول الأسطورة إن الحمراء لن تنهدم أو تسقط إلا حين يميل اللسان المثبت فى أسفل البرج الخارجى، ويصل إلى موضع القفل، فعندئذ تنهار الحمراء دفعة واحدة، وتنكشف جميع الكنوز التى أودعها المسلمون فى أعماقها.
وعلى ذكر هذه الكنوز تقول الأسطورة إن المسلمين عندما سقطت غرناطة فى أيدى النصارى، كانوا يعتقدون أن سقوطها حادث مؤقت، وأن دولة المسلمين فى الأندلس لن تلبث أن تعود قوية عزيزة، وأن بعدهم عن أوطانهم لن يطول، ولذلك عمدوا إلى إخفاء ذخائرهم وحليهم وأموالهم فى أعماق الحمراء، فى جوانب متعددة منها، وأنهم لجأوا فى حفظها وحمايتها إلى السحر، فرصدوا لحفظها الطلاسم والأسماء. وقد يبدو حراسها أحياناً فى صور مردة أو وحوش، أو فرسان مسلمين مدججين بالسلاح، يسهرون عليها أبد الدهر جامدين لا يغمض لهم طرف.
وليس فى الحمراء برج أو بهو أو قاعة، إلا اقترن ذكرها بقصة هذه الكنوز الخفية؛ وكانت الأسطورة تضطرم من عصر إلى آخر، ولاسيما فى جنوبى اسبانيا،