للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصرانية، وبما أسبغته العناية الإلهية على خطتها وسياستها، فى إبادة تراث الإسلام والعرب المتنصرين، وفى القضاء إلى الأبد على آثار تلك الدولة الإسلامية المجيدة، التى ازدهرت فى اسبانيا زهاء ثمانية قرون، وعلى حضارتها وآدابها، وكل ذلك التراث العظيم الباهر.

على أن الرواية الإسبانية بالرغم من تأثرها العميق بالعوامل القومية والدينية، تعرض علينا حوادث هذا النضال الأخير فى أسلوب مؤثر. وقد لا تضن فى بعض المواطن والمواقف بعطفها، وأحياناً بإعجابها، على تلك الأمة المغلوبة الباسلة، التى لبثت تناضل حتى الرمق الأخير عن كرامتها، وعن تراثها القومى والروحى.

- ٢ -

لبثت السياسة الإسبانية بعد سقوط غرناطة، وبعد أن حققت اسبانيا النصرانية بالقضاء على دولة الإسلام فى الأندلس، أعظم أمانيها القومية، مدى حين تلتزم جانب الرواية والاعتدال.

ولما غادر فرناندو وإيسابيلا غرناطة بعد دخولها، أوصيا حاكمها الجديد الكونت تندليا (المركيز دى مونتخار فيما بعد) بالرفق فى معاملة الرعايا الجدد، والعمل على التقريب بين العناصر. وكان من أثر ذلك فى البداية أن رغب الكثيرون فى البقاء، واشتروا الرباع العظيمة من الراحلين بأبخس الأثمان (١). وهناك من جهة أخرى ما يدل على أنه ما كاد يتم تسليم غرناطة حتى بدأ أعيان المسلمين فى بيع أملاكهم وضياعهم إلى القادة والأشراف القشتاليين الذين قدموا للتوطن فى المدينة المفتوحة، فمثلا باع القائد أبو عبد الله محمد الينشتى إلى القائد القشتالى أندريس قلدرون حديقته ومنزله بباب الفخارين، وذلك فى جمادى الثانية سنة ٨٩٧ هـ (مارس ١٤٩٢ م)، وباعت فاطمة بنت أبى القاسم الأبار إلى نفس القائد القشتالى حديقتها الكائنة بربض باب الفخارين، وذلك فى نفس التاريخ، وباع عدة آخرون من المسلمين أملاكهم فى مرج غرناطة وفى عين الدمع، إلى بعض أعيان القشتاليين، وذلك فى نفس السنة (١٤٩٢ م) (٢). واتخذت الأهبة من جهة أخرى لنقل المسلمين الراغبين فى الهجرة إلى المغرب، وهاجر كثير من أشراف غرناطة، وفى مقدمتهم


(١) أزهار الرياض، ج ١ ص ٦٧.
(٢) راجع: "وثائق عربية غرناطية" الوثائق رقم ١٨١ (ص ١٣٠)، ورقم ١٨٤ (ص ١٣٤) ورقم ٨٥ (ص ١٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>