للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنو سراج وغيرهم من أنجاد غرناطة القدماء، وأقفرت مناطق بأسرها من أعيان المسلمين، ولاسيما منطقة البشرات. وكان تدفق سيل المهاجرين دليلا على أن الشعب المغلوب، لم يكن واثقاً فى ولاء سادته الجدد، وأنه كان ينظر إلى المستقبل بعين التوجس والريب.

ويفصل لنا صاحب أخبار العصر بعض حركات الهجرة التى وقعت على أثر سقوط غرناطة، فيقول لنا إن من بقى من المسلمين فى مالقة عبروا البحر إلى باديس وعبر أهل ألمرية إلى تلمسان، وعبر أهل الجزيرة الخضراء إلى طنجة، وعبر أهل رندة وبسطة وحصن موجر وقرية قردوش وحصن مرتيل إلى تطوان وأحوازها، وعبر أهل لوشة وقرية الفخار وبعض أهل غرناطة ومرشانة وأهل البشرَّة إلى أراضى قبيلة غمارة، وعبر أهل بيرة وبرجة وأندرش إلى ما بين طنجة وتطوان، وعبر أهل بلِّش إلى سلا، وخرج كثير من أهل غرناطة إلى بجاية ووهران وقابس وصفاقص وسوسة، وخرج أهل مدينة طريف إلى آسفى وأزمور (١).

وقد كان ممن هاجر من غرناطة إلى العدوة عقب سقوطها بقليل جماعة من أهلها برياسة زعيم جندى هو أبو الحسن على المنظرى (أو المندرى) وكان من أكابر جند الجيش الغرناطى، فنزلوا فى موقع قرية مرتيل (أو مرتين) الواقع على البحر على مقربة من تطوان، وكانت يومئذ خربة مهجورة، فاستأذن الأندلسيون سلطان فاس، محمداً الشيخ الوطَّاسى، فى تعميرها وسكناها، فأذن لهم، فأقاموا فوق موقعها القديم محلة حصينة بها مسجد وقصبة، وكان ذلك فى سنة ٨٩٨ هـ (أواخر سنة ١٤٩٢ م). وفى رواية أخرى أن الأندلسيين الذين عمروا تطوان لأول مرة، وفدوا إلى العدوة قبل سقوط غرناطة ببضعة أعوام فى سنة ٨٨٨ هـ (١٤٨٣ م)، وأنهم كانوا نحو ستين أو ثمانين. ثم جاء من بعدهم عقب سقوط غرناطة قوم آخرون، قاموا بتوسيعها وتحصينها، وعلى أى حال فإن المرجح أن هجرة المنظرى وقومه كانت عقب سقوط غرناطة، وأن هذا الفوج من المهاجرين الأندلسيين هو الذى يجب أن يحسب حسابه فى تعمير تطوان وتحصينها. ومن ذلك الحين تغدو تطوان ملاذا لكثير من الأسر الأندلسية التى أرغمت على التنصير، ثم آثرت الهجرة إلى دار الإسلام فراراً من اضطهاد الإسبان ومحاكم التحقيق، وعادت إلى دينها القديم، وما تزال بها أعقابهم إلى اليوم (٢).


(١) أخبار العصر (طبعة العرايش) ص ٤٨.
(٢) راجع الإستقصاء للسلاوى (ج ٢ ص ١٦٢)، ومختصر تاريخ تطوان للسيد محمد داود =

<<  <  ج: ص:  >  >>