للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العناصر الذين يمكن أن تضمهم دولة متمدنة (١). ولكن الكنيسة كانت تضطرم حماسة فى سبيل تحقيق مثلها، ولم تكن السياسة الإسبانية فى تلك الفترة من تاريخ اسبانيا سوى أداة لينة فى يد الكنيسة، التى بلغت عندئذ ذروة قوتها ونفوذها.

ويصف لنا مؤرخ اسبانى عاش قريباً من ذلك العصر، نيات الكنيسة نحو المسلمين فى قوله: "إنه منذ استولى فرناندو على غرناطة، كان الأحبار يطلبون إليه بإلحاح، أن يعمل على سحق طائفة محمد من اسبانيا، وأن يطلب إلى المسلمين الذين يودون البقاء، إما التنصير، أو بيع أملاكهم والعبور إلى المغرب، وأنه ليس فى ذلك خرق للعهود المقطوعة لهم، بل فيه إنقاذ لأرواحهم، وحفظ لسلام المملكة، لأنه من المستحيل أن يعيش المسلمون فى صفاء وسلام مع النصارى، أو يحافظون على ولائهم للملوك، ما بقوا على الإسلام، وهو يحثهم على مقت النصارى أعداء دينهم" (٢).

ولم تكن هذه السياسة فى الواقع بعيدة عما يخالج ملكى اسبانيا، فرناندو الخامس وزوجه الملكة المتعصبة إيسابيلا الكاثوليكية، من شعور نحو المسلمين، ولم تكن للعهود التى قطعت للمسلمين بتأمينهم فى أنفسهم وأموالهم، واحترام دينهم وشعائرهم، لتحول دون تحقيق أغراض السياسة القومية. ذلك أن فرناندو لم يحجم قط عن أن يقطع العهود والمواثيق متى كانت سبيلا لتحقيق مآربه، وأن يسبغ على رياسته الغادرة ثوب الدين والورع، ولكنه لم يعتبر نفسه قط ملزماً بعهود يقطعها متى أصبحت تعارض سياسته وغاياته.

ويعلق النقد الغربى الحديث على ذلك بقوله: "ولو نفدت هذه العهود (العهود التى قطعها لمسلمى غرناطة) بولاء، لتغير مستقبل اسبانيا كل التغيير، ولجمع الامتزاج الرفيق بين الأجناس، ولغاض الإسلام مع الزمن، ولتفوقت المملكة الإسبانية فى فنون الحرب والسلم، وتوطدت قوتها ورخاؤها. ولكن ذلك كان غريباً على روح العصر الذى انقضى، وأفضى التعصب والجشع إلى المطاردة والظلم، وأنزلت الكبرياء القشتالية بالمغلوبين ذلة مروعة، فاتسعت الهوة بين الأجناس على كر الزمن، حتى استعصى الموقف، وأدت إلى علاج كان من جرائه أن تحطم رخاء اسبانيا" (٣).


(١) Dr. Lea: The Moriscos ; p. ٧
(٢) Luis del Marmol: Rebelion y Castigo de los Moriscos de Granada ;
Lib. I. Cap. XXII
(٣) Dr. Lea: The Moriscos, p. ٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>