للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسجده فى الحال إلى كنيسة سميت باسم "سان سلبادور" (١). واحتج بعض أكابر المسلمين على هذه الأعمال، ولكن ذهب احتجاجهم وتمسكهم بالعهود المقطوعة سدى. وثار أهل البيازين وتحصنوا بحيهم، ونددوا بخرق العهود، فبذل الكردينال خمنيس وحاكم المدينة، جهوداً فادحة لإقناعهم بالهدوء والسكينة، وبذلا لهم من التأكيدات والضمانات الكلامية ما شاءوا (٢).

ولم يقف الكردينال خمنيس عند تنظيم هذه الحركة الإرهابية، التى انتهت بتوقيع التنصير المغصوب، على عشرات الألوف من المسلمين، ولكنه قرنها بارتكاب عمل بربرى شائن، هو أنه أمر بجمع كل ما يستطاع جمعه من الكتب العربية من أهالى غرناطة وأرباضها، ونظمت أكداساً هائلة فى ميدان باب الرملة، أعظم ساحات المدينة، ومنها كثير من المصاحف البديعة الزخرف، وآلاف من كتب الآداب والعلوم، وأضرمت النيران فيها جميعاً، ولم يستثن منها سوى ثلاثمائة من كتب الطب والعلوم، حملت إلى الجامعة التى أنشأها فى مدينة ألكالا دى هنارس (٣)، وذهبت ضحية هذا الإجراء الهمجى عشرات ألوف من الكتب العربية، هى خلاصة ما بقى من تراث التفكير الإسلامى فى الأندلس (٤).

ولسنا نحن فقط الذين نصف عمل خمنيس بالبربرية والهمجية، بل قالها ويقولها مفكرو الغرب أنفسهم، فمثلا يشير العلامة الإيطالى الأب سكيابرللى Schiaparelli فى مقدمة إحدى كتبه إلى "التعصب الكاثوليكى، وثورات خمنيس


(١) ما تزال كنيسة "سان سلبادور"، تقوم حتى اليوم على موقع مسجد البيازين القديم، وما تزال توجد فى مؤخرتها بعض عقود المسجد القديمة.
(٢) Luis del Marmol: ibid, I. Cap. XXIII
(٣) Alcala de Henares، وتسمى فى الرواية العربية بقلعة عبد السلام أو قلعة النهر لوقوعها على نهر هنارس، أحد أفرع نهر التاجه، وهى تقع فى جنوب غربى وادى الحجارة فى منتصف المسافة بينها وبين مدريد.
(٤) يختلف المؤرخون الإسبان فى تقدير عدد الكتب العربية التى ذهبت ضحية هذا الإجراء، فيقدرها دى روبلس E. de Robles، الذى كتب بعد ذلك بقرن كتاباً عن حياة الكردينال خمنيس، Compenido de la Vida y Hazanas del Cardinal Ximenez، بمليون وخمسة آلاف كتاب. ويقدرها برمندث دى بدراثا B. de Pedraza الذى كتب بعده بقليل، بمائة وخمسة وعشرين ألفاً فى كتابه Historia Eclesiastica de Granada، ويقدرها البعض الآخر بخمسة آلاف فقط، ويقدرها كوندى بثمانين ألفاً، وربما كان تقديره أقرب إلى المعقول. راجع Prescott: Ferd. and Isabella, p. ٤٥١ - ٥٣ & notes

<<  <  ج: ص:  >  >>