للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البربرية، التى ترتب عليها حرق المصاحف والكتب الإسلامية الأخرى لمسلمى غرناطة، وذلك لكى يتوسل بذلك إلى تنصيرهم".

ويقول المؤرخ الأمريكى وليم برسكوت: "إن هذا العمل المحزن لم يقم به همجى جاهل، وإنما حبر مثقف، وقد وقع لا فى ظلام العصور الوسطى، ولكن فى فجر القرن السادس عشر، وفى قلب أمة مستنيرة، تدين إلى أعظم حد بتقدمها إلى خزائن الحكمة العربية ذاتها" (١).

ثم يشير إلى ما ترتب على هذا العمل بقوله: "لقد غدت الآداب العربية نادرة فى مكتبات نفس البلد الذى نشأت فيه، وإن الدراسات العربية التى كانت من قبل زاهرة فى اسبانيا، حتى فى العصور الأقل لمعاناً، انهارت لأنها عدمت غذاء يؤدها؛ وهكذا كانت النتائج المحزنة للمطاردة الأدبية، التى يراها البعض أشد تقويضاً من تلك التى توجه إلى الحياة ذاتها".

على أن هذا العمل الذى يثير غضب النقد الغربى الحديث وزرايته، يجد مع ذلك بين العلماء الإسبان من يبرره بل ويمجده. وقد تولى المستشرق سيمونيت الدفاع عن الكردينال خمنيس، الذى يصفه بأنه أحد أمجاد الكنيسة الإسبانية، فى رسالة عنوانها: "الكردينال خمنيس دى سيسنيروس والمخطوطات العربية الغرناطية" (٢) يقول فيها، إن ما قام به الكردينال من حرق الكتب أمر لا غبار عليه، إذ هو إعدام للشىء الضار، وهو بالعكس أمر محمود، كما تعدم عناصر العدوى وقت الوباء، وإن الملكين الكاثوليكيين قد أمرا عقب تنصير المسلمين أن تؤخذ منهم كتب الشريعة والدين، لكى تحرق فى سائر مملكة غرناطة، وألا يبقى لديهم سوى الكتب التى لا علاقة لها بالدين الذى نبذوه، وإن تأجيل تنفيذ هذا الأمر حتى عهد الملكة خوانا، كان تسامحاً وتساهلا، وقد استشارت الملكة مجلسها، وأصدرت بتاريخ ٢٠ يونيه سنة ١٥١١ أمراً ملكياً، تلزم فيه جميع السكان الذين تنصروا حديثاً، سواء فى غرناطة أو غيرها من نواحى مملكة غرناطة، أن يسلموا سائر الكتب العربية التى لديهم سواء فى الدين أو الشريعة أو كتب الطب والفلسفة والتاريخ أو غيرها إلى قاضى الجهة، وذلك فى ظرف خمسين يوماً من تاريخ هذا الأمر،


(١) W. Prescott: ibid , p. ٤٥٣ & ٤٥٤
(٢) F. Javier Simonet: El Cardinal Ximenez de Cisneros y los Manuscritos
Arabigo - Granadinos

<<  <  ج: ص:  >  >>