للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ ذاك على رؤوس الشرذمة القليلة من المسلمين مسلولة، وأفواه الذاهلين محلولة، وهم يقولون: ليس لأحد بالتنصر إن يمطل، ولا يلبث حيناً ولا يمهل، وهم يكابدون تلك الأهوال، يطلبون لطف الله على كل حال".

وقد تردد صدى هذه المحنة التى نزلت بمسلمى الأندلس بسرعة سائر فى جنبات العالم الإسلامى، فنرى ابن إياس مؤرخ مصر، وهو راوية معاصر، يدون فى حوادث صفر سنة ٩٠٦ هـ (أغسطس سنة ١٥٠٠ م) أعنى عقب محنة التنصير بأشهر قلاقل ما يأتى: "وفيه جاءت الأخبار من المغرب بأن الفرنج قد استولوا على غرناطة التى هى دار ملك الأندلس، ووضعوا فيها السيف بالمسلمين، وقالوا من دخل ديننا تركناه، ومن لم يدخل قتلناه، فدخل فى دينهم جماعة كثيرة من المغاربة خوفاً على أنفسهم من القتل، ثم ثار عليهم المسلمون ثانياً وانتصفوا عليهم بعض شىء، واستمر الحرب ثائراً بينهم، والأمر لله تعالى فى ذلك" (١).

أما المسلمون الذين بقوا فى مملكة البرتغال، فقد كان مصيرهم فيما يبدو أفضل من مصير إخوانهم مسلمى الأندلس، فقد قضى العرش البرتغالى بإخراجهم من أراضى المملكة فى سنة ١٤٩٦ م، والسماح لهم بالعبور إلى المغرب أو إلى حيث شاءوا، ونظراً لما لقوه من صعاب فى اختراق الأراضى الإسبانية، فقد أصدر الملكان الكاثوليكيان، تحقيقاً لرغبة ملك البرتغال، مرسوماً (فى ابريل سنة ١٤٩٧) يصرح فيه للمسلمين البرتغاليين ونسائهم وأولادهم وخدمهم، أن يخترقوا أراضى مملكة قشتالة، وأن يذهبوا بأموالهم وأمتعتهم إلى البلاد الأخرى، وأن يبقوا فى أراضى قشتالة الوقت الذى يرغبون ثم يغادرونها بأموالهم متى شاءوا، وفقط لا يسمح لهم بحمل الذهب والفضة إلى الخارج، ويُؤمَّنون فى أنفسهم وأموالهم ضد كل اعتداء ولا يؤخذ منهم شىء بلا حق (٢).

...

تلك هى المأساة التى استحالت فيها بقية الأمة الأندلسية بالتنصير المفروض، إلى طائفة جديدة، عرفت من ذلك التاريخ بالموريسكيين Moriscos، أو المسلمين الأصاغر أو العرب المتنصرين (٣). وقد فرض التنصير على المسلمين فرضاً، ولم تحجم


(١) ابن إياس (بولاق) ج ٢ ص ٣٩٢.
(٢) Arch. gen. de Simancas, P. R. Leg. ٢٨ Fol. ٣
(٣) Moriscos هى تصغير كلمة Moros، ومعناها المسلمون أو العرب الأصاغر، رمزاً إلى ما انتهت إليه الأمة الأندلسية من السقوط والانحلال

<<  <  ج: ص:  >  >>