مطاردة الزيغ بوسائله الفعالة. فألفت لجنة ملكية للتحقيق فى حوادث غرناطة، وقبض على كثير من المسلمين بتهمة التحريض، وهرع آلاف أخر منهم إلى اعتناق النصرانية خيفة السجن والمطاردة. وعارض فرناندو وإيسابيلا فى إنشاء ديوان التحقيق فى غرناطة ذاتها، واقترحا أن تحال شئونها إلى اختصاص ديوان التحقيق فى قرطبة، وألا يقدم المسلمون أو الموريسكيون إلى الديوان إلا لتهم خطيرة، ولكن الكنيسة لم تقنع باتخاذ الإجراءات الجزئية، ومضت تعمل لغايتها الشاملة. وكان فرناندو من جهة أخرى لا يزال يتوجس من المسلمين شراً، ويرى فى منطق الكنيسة قوة، وهو أن احتفاظ المسلمين بدينهم يقوى الروابط بينهم وبين إخوانهم فى إفريقية، وأن اسبانيا ما تزال تضم بين جوانحها عدواً يُخشى بأسه، وأن فى تنصير المسلمين أو إخراجهم من اسبانيا، سلام اسبانيا ونقاء دينها.
وكانت الكلمة للكنيسة دائماً، ففى ٢٠ يوليه سنة ١٥٠١ أصدر فرناندو وإيسابيلا أمراً ملكياً خلاصته "أنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة" فإنه يحظر وجود المسلمين فيها، فإذا كان بها بعضهم فإنه يحظر عليهم أن يتصلوا بغيرهم، خوفاً من أن يتأخر تنصيرهم، أو بأولئك الذين نُصِّروا لئلا يفسدوا إيمانهم، ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال.
وحاول المسلمون فى يأسهم أن يلجأوا إلى معاونة سلطان مصر، فأرسلوا إليه كتبهم يصفون إكراههم على التنصر، ويطلبون إليه أن ينذر ملك اسبانيا بأنه سوف ينكل بالنصارى المقيمين فى مملكته، إذا لم يكف عنهم، فنزل سلطان مصر عند هذه الرغبة، وأرسل إلى فرناندو يخطره بما تقدم؛ وانتهز فرناندو هذه الفرصة فأوفد إلى بلاط القاهرة (سنة ١٥٠١) سفارته التى تحدثنا عنها فيما تقدم والتى كان سفيره فيها بيترو مارتيرى الحبر الكاتب والمؤرخ. فأدى مارتيرى سفارته ببراعة، واستطاع أن يقنع السلطان بما يلقاه مسلمو الأندلس من الرعاية، وأن يطمئنه على مصيرهم (١).
وهكذا خبت آمال المسلمين تباعاً، ولم تصمد الثورة إلا فى المنطقة الجبلية الواقعة بين آكام فليا لونجا وسيرّا فرمليا (الجبال الحمراء) بجوار رندة، حيث احتشدت بعض البطون المغربية، وحيث استطاع الثوار أن يقتحموا شعب الجبال، وأن يفتكوا بعمال الحكومة وجندها. وسير فرناندو إلى تلك المنطقة حملة قوية تحت
(١) راجع: Prescott: ibid ; p. ٢٨٧؛ وكذلك Dr. Lea: The Moriscos, p. ٣٦