للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمرة قائده الشهير ألونسو دى آجيلار دوق قرطبة، ونفذ الجند الإسبان غلى شعب فليا لونجا، ووقعت الواقعة الحاسمة بين المسلمين والنصارى، فهزم النصارى هزيمة فادحة وقتل منهم عدد جم، وكان قائدهم آجيلار وعدة آخرون من السادة الأكابر، فى مقدمة القتلى (مارس سنة ١٥٠١).

فكان لهذه النكبة التى نزلت بالجنود الإسبان وقوادهم، أعمق وقع فى البلاط الإسبانى. وهرع فرناندو إلى غرناطة، ورأى بالرغم مما كان يحدوه من عوامل السخط والانتقام، أن يجنح إلى اللين والمسالمة، فأعلن العفو عن الثوار بشرط أن يعتنقوا النصرانية فى ظرف ثلاثة أشهر، أو يغادروا اسبانيا تاركين أملاكهم للدولة، فآثر معظمهم النفى والجواز إلى إفريقية، وهاجرت منهم جموع كبيرة إلى فاس ووهران وبجاية وتونس وطرابلس وغيرها، وقدمت الحكومة الإسبانية السفن اللازمة لنقلهم مغتطبة لرحيلهم (١)، إذ كانوا أشد العناصر مراساً وأكثرها نزوعاً إلى الثورة.

واستقر الباقون وهم الكثرة الغالبة من المسلمين فى البلاد خاضعين مستسلمين، وقد وصفهم دى بدراثا، وهو مؤرخ من أحبار الكنيسة عاش قريباً من ذلك العصر يقوله: إنهم شعب ذو مبادىء أخلاقية متينة، أشراف فى معاملاتهم وتعاقدهم، ليس بينهم عاطل، وكلهم عامل، يعطفون أشد العطف على فقرائهم (٢).

ولم يفت الرواية الإسلامية أن تشير إلى هذه الصفحة الأخيرة من جهاد المسلمين الباسل فى سبيل دينهم، فقد نقل إلينا المقرى عنها ما يأتى:

"وبالجملة فإنهم (أى أهل غرناطة) تنصروا عن آخرهم بادية وحاضرة، وامتنع قوم عن التنصر، واعتزلوا النصارى فلم ينفعهم ذلك، وامتنعت قرى وأماكن كذلك منها بلفيق وأندرش وغيرها، فجمع لهم العدو الجموع واستأصلهم عن آخرهم قتلا وسبياً، إلا ما كان من جبل بلنقة (أى فليا لونجا)، فإن الله تعالى أعانهم على عدوهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، مات فيها صاحب قرطبة، وأخرجوا على الأمان إلى فاس بعيالهم وما خف من أموالهم دون الذخائر. ثم بعد هذا كله كان من أظهر التنصير من المسلمين، يعبد الله خفية ويصلى، فشدد عليهم النصارى فى البحث، حتى أنهم أحرقوا منهم كثيراً بسبب ذلك، ومنعوهم من


(١) Prescott: ibid ; p. ٤٦٧
(٢) P. Longas (Cit. B. de Pedraza: Hist. Eclesiastica) : Vida Religiosa de los
Moriscos (p. LII)

<<  <  ج: ص:  >  >>