للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أول من عنى بجمعها من أمراء الأندلس، وكانت جهوده في هذا السبيل نواة لإنشاء مكتبة قرطبة العظيمة.

* * *

وفي عهد عبد الرحمن سما شأن حكومة قرطبة الإسلامية، وأخذت تتبوأ مكانتها من الهيبة والنفوذ، بين مختلف القصور والحكومات النصرانية، وتغدو مركز التوجيه للدبلوماسية الإسلامية في الغرب. والظاهر أن الدولة البيزنطية، خصيمة الدولة العباسية في المشرق، كانت تعتقد أنها تستطيع أن تصل بتفاهمها مع حكومة قرطبة الإسلامية، إلى بعض النتائج العملية في مقاومة خصيمتهما المشتركة. ففي سنة ٨٤٠ م (٢٢٥ هـ) وفد على قرطبة سفير من قبل قيصر قسطنطينية الإمبراطور تيوفيلوس (توفلس)، يدعى قرطيوس، ومعه كتاب وهدية فخمة، فاستقبله عبد الرحمن بحفاوة، وكان القيصر يتوجه في كتابه إلى أمير الأندلس، باسم الصداقة القديمة التي كانت قائمة بين الأوائل من خلفاء بني أمية وقياصرة بيزنطية، ويشكو مر الشكوى من فعال الخليفة المأمون وأخيه المعتصم وعيثهما في أراضيه، ويشير إليهما في كتابه بابن مراجل وابن ماردة (١) تحقيراً وازدراء، كما يشكو إليه من استيلاء أبى حفص البلوطي وعصبته الأندلسية على جزيرة إقريطش (كريت) وهي من أملاكه، ويطلب إليه عقد أواصر المودة والصداقة بينهما، ويرغبه في ملك أجداده بالمشرق، ويستنهض همته لاسترداده، ويتنبأ له بقرب انهيار الدولة العباسية، وزوال سلطانها، ويعده بنصرته في ذلك المشروع. وقد رد عبد الرحمن على سفارة تيوفيلوس بمثلها، وأوفد كاتبه وصديقه الشاعر يحيى الغزال إلى قسطنطينية ومعه يحيى بن حبيب المعروف بالمنيقلة بكتاب وهدية إلى الإمبراطور. وقد سبق أن أشرنا إلى الغزال وإلى شخصيته الممتازة وإلى بارع خلاله وظرفه، وكان الغزال قد جاوز الستين يومئذ ولكنه كان مايزال يحتفظ بكثير من إناقته وروائه. وسار الغزال وصاحبه يحيى ومعهما السفير البيزنطي إلى المشرق عن طريق تدمير (مرسية)، فوصلوا إلى قسطنطينية بعد رحلة بحرية شاقة، عاينوا فيها الأهوال من اضطراب البحر وروعة الموج. واستقبل الإمبراطور السفير الأندلسي بحفاوة، وقدم الغزال إليه كتاب


(١) مراجل هي أم المأمون، وماردة هي أم المعتصم، وكلتاهما جارية وأم ولد.

<<  <  ج: ص:  >  >>