للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرحمن وهديته. ويرد عبد الرحمن في كتابه على ما جاء في كتاب الإمبراطور تفصيلا، ويشير مثله إلى المأمون والمعتصم بابن مراجل وابن ماردة، وإليك ما يرد به عبد الرحمن على ما يدعوه إليه الإمبراطور من وجوب العمل لاسترداد ملك أجداده بالمشرق، وهي أهم فقرات الخطاب:

" وأما ما ذكرت من أمر الخبيث ابن ماردة، وحضضت عليه من الخروج إلى ما قبله، وذكرته من تقارب انقطاع دولته ودولة أهله، وزوال سلطانهم، وما حضر من وقت رجوع دولتنا، وأزف من حين ارتجاع سلطاننا، فإننا نرجو في ذلك عادة الله عندنا، ونستنجز موعوده إيانا، ونمتري حسن بلائه لدينا، بما جمع لنا من طاعة من قبلنا، من أهل شامنا وأندلسنا وأجنادنا وكورنا وثغورنا، وما لم نزل نسمع ونعترف أن النقمة تنزل بهم، والدائرة تحل عليهم من أهل المغرب بنا وعلى أيدينا، فيقطع الله دابرهم، ويستأصل شأفتهم إن شاء الله تعالى " (١).

وأدى الغزال سفارته خير أداء، وعمل على إحكام الصلة والمودة بين الإمبراطور وبين مليكه، وسحر البلاط البيزنطي بكياسته وظرفه، وبديع صفاته، وقدمه الإمبراطور إلى زوجه الإمبراطورة تيودورا وإلى ولده الأمير ميخائيل الذي تولى العرش فيما بعد، وكان يومئذ فتى يافعاً، فأنست به الإمبراطورة وسحرته برائع جمالها، وسحره الأمير الفتى بظرفه وبارع خلاله.

وقال فيه قصيدته التي مطلعها:

وأغيد لين الأطراف رخص ... كحيل الطرف ذو عنق طويل

ترى ماء الشباب بوجنتيه ... يلوح كرونق السيف الصقيل

من أبناء الغطارف قيصري ... العمومة حين ينسب والخؤول

وعاد الغزال إلى قرطبة بعد رحلة دامت عدة أشهر، وقد بهرته مظاهر الحضارة البيزنطية وروعة البلاط البيزنطي.


(١) ورد هذا الخطاب بنصه كاملا كما وردت تفاصيل هذه السفارة في مخطوط ابن حيان ص ١٦١ و١٦٢ و١٦٣؛ ونشر الأستاذ ليفي بروفنسال قصة هذه السفارة بالفرنسية، ومعها نص الخطاب بالعربية في فصل خاص، في المجلد الثاني عشر من مجموعة Byzantion التي تصدر في بروكسل بعنوان: Echange d"Ambassades entre Cordoue et Byzance au IXe. Siècle كما نشرها أيضاً في رسالة خاصة. وراجع أيضاً نفح الطيب ج ١ ص ١٦٢، حيث يشير إلى هذه السفارة إشارة موجزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>