للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وقد أوفد الغزال بعد ذلك بقليل في سفارة أخرى أغرب وأعجب، وذلك أنه على أثر غزو النورمانيين (المجوس) لولايات الأندلس الجنوبية الغربية واقتحامهم إشبيلية، وردهم عنها، ثم هزيمتهم ومطاردتهم، بعث ملكهم رسله إلى عبد الرحمن بن الحكم في طلب المهادنة والصلح، فأجابه عبد الرحمن إلى طلبه، وبعث الغزال مع الرسل إلى ملكهم ليرد السفارة، ويعلنه بقبول الصلح.

وتقدم إلينا الرواية الإسلامية عن هذه السفارة تفاصيل شائقة. وهي رواية أديب أندلسي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، هو أبو الخطاب عمر ابن الحسن بن دحية البلنسي، أوردها في كتابه "المطرب من أشعار أهل المغرب" في حديثه عن الغزال. وهو يذكر لنا أن عبد الرحمن أوفد مع الغزال، يحيى بن حبيب لمرافقته في تلك السفارة، وأنهما خرجا معاً إلى البحر المحيط عن طريق شلب (١) في مركب خاص أعد لهما، وسارت مع مركب الرسل النورمانيين. ويصف لنا ما لقيه السفيران المسلمان من أهوال البحر وروعته، وكيف أنهما جازا تلك الشدائد سالمين ووصلا إلى بلاد المجوس. ثم يصف لنا بلاد المجوس بأنها " جزيرة عظيمة في البحر المحيط "، وعلى مقربة منها " جزائر كثيرة منها صغار وكبار، أهلها كلهم من المجوس، وما يليهم من البر أيضا لهم مسيرة أيام، وهم مجوس، وهم اليوم على دين النصرانية ".

ويبدو من وصف طريق الرحلة، وأوصاف تلك الجزر، أن القطر الذي قصده الغزال ورفيقه، هو الدانماركة، ويؤيد ذلك أن الدانماركة كانت في ذلك الوقت مستقر ملك النورمان (المجوس)، وكان ملكهم عندئذ يشمل الدانماركة وما حولها من الجزائر، وقسماً من إسكندناوة وألمانيا الشمالية. وكان يجلس على عرش النورمان في ذلك الوقت (نحو سنة ٨٤٤ أو ٨٤٥ م) ملك يسمى " هوريك ".

وكان النورمان يومئذ أحداثاً في النصرانية، حسبما تقول الرواية الإسلامية. ولقي السفير المسلم من ملك النورمان كل ترحاب وعطف، وأفرد لإقامته وزملائه منزلاً حسناً. وقدم إليه الغزال كتاب الأمير عبد الرحمن وهديته من الثياب والآنية، فوقعت لديه أحسن موقع. ولقي الغزال في البلاط النورماني كله، كثيراً من


(١) شلب Silves هي بلدة أندلسية قديمة تقع في جنوب غربي البرتغال على مقربة من المحيط الأطلنطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>