للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعجاب والعطف، واستقبلته " نود " ملكة النورمان، فراعه حسنها، وشملته بعطفها، ورآها بعد ذلك مراراً، ونظم في حسنها شعراً رقيقاً، يورده لنا ابن دحية، وفيه يخاطبها بقوله:

يا نود يا رود الشباب التي ... تُطلع من أزرارها الكوكبا

وعاد الغزال إلى الأندلس بعد رحلة دامت عشرين شهراً، وكان عوده عن طريق شنت ياقب. ويقول لنا ابن دحية إنه كان يحمل من ملك النورمان كتاباً إلى صاحبها، وهو ملك جليقية وليون. والظاهر أنه كان كتاب توصية وجواز، لكي يستطيع السفير المسلم وزملاؤه اختراق المملكة النصرانية الشمالية، في طريقهم إلى الأندلس. وقد اخترق الغزال بالفعل مملكة ليون، وسار إلى طليطلة، ومنها إلى قرطبة. والمرجح أن وصوله إلى قرطبة، كان سنة ٢٣٢هـ (أواخر سنة ٨٤٦ م).

وعاش الغزال بعد ذلك زهاء عشرين عاماً أخرى، وتوفي في سنة ٢٥٠هـ.

وقد بلغ الرابعة والتسعين من عمره، إذ كان مولده في سنة ١٥٦ هـ (١)، وأدرك خمسة من أمراء بني أمية بالأندلس أولهم عبد الرحمن الداخل، وآخرهم محمد ابن عبد الرحمن. وكان مدى نصف قرن يتبوأ الزعامة في الشعر والأدب والحكمة، ويتبوأ في بلاط قرطبة أسمى مقام من النفوذ والثقة والتقدير (٢).


(١) راجع جذوة المقتبس للحميدي (مصر) رقم ٨٨٧.
(٢) راجع رواية ابن دحية كاملة في كتابه " المطرب من أشعار أهل المغرب " المنشور بعناية وزارة المعارف سنة ١٩٥٤ (ص ١٣٨ - ١٤٩). ونقلها دوزي في كتابه: Recherches, Vol.I.App, XXXIV، وأشار إليها المقري في الفصل الذي أورده عن الغزال وأخباره (نفح الطيب ج ١ ص ٤٤١ وما بعدها). وقد كان البحث يتجه من قبل إلى أن رواية ابن دحية عن هذه السفارة قد تكون تكراراً أو تحريفاً للرواية الخاصة بسفارة الغزال إلى قسطنطينية، ولكن يتضح من مراجعة رواية ابن دحية كاملة في كتابه المنشور، ودراسة المعالم الجغرافية التي أوردها عن طريق سفر الغزال وطريق عودته عن طريق شنت ياقب ومملكة جليقية - وعن موقع مملكة النورمان، يتضح من ذلك كله أنه لا توجد الآن ذرة من الريب في صحة القول بأن السفارة كانت فعلا إلى " بلاد المجوس " أو النورمان، أو بعبارة أخرى إلى الدانماركة.

<<  <  ج: ص:  >  >>