للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ينجو من عقوبة الموت، مهما كانت الوعود التى بذلت له بالرأفة والعفو.

فإذا أبى المتهم الاعتراف بعد الجلسات الثلاث، وضع النائب له قرار الإتهام طبقاً لما ورد فى التحقيق من الوقائع، وذلك مهما كانت الأدلة المقدمة من الركاكة والضعف. بيد أن أفظع ما يحتويه القرار هو إحالة المتهم على التعذيب، وغالباً ما يطلب النائب هذه الإحالة، وذلك بالرغم من اعتراف المتهم بما ينسب إليه، لأنه يفترض دائماً أنه أخفى أو كذب فى اعترافه. وتصدر المحكمة قرار التعذيب مجتمعة بهيئة غرفة مشورة. وكان قرار التعذيب فى العصور الأولى يصدر عقب الاشتباه والقبض فوراً. وقد استعمل التعذيب فى محاكم التحقيق للحصول على الإعتراف، منذ منتصف القرن الثالث عشر. وكان التعذيب فى قشتالة إجراء يسوغه القضاء العادى، وكان يعتبر وسيلة مشروعة لنيل الإعتراف، فلم يكن غريباً أن يدمجه ديوان التحقيق فى دستوره. وقد نوه كثير من المؤرخين بروعة الإجراءات والوسائل التى كانت تلجأ إليها محاكم التحقيق فى توقيع العذاب. ويعلق عليها دون لورنتى بقوله: "لست أقف لأصف ضروب التعذيب التى كان يوقعها ديوان التحقيق على المتهمين، فقد رواها بما تستحق من الدقة كثير من المؤرخين، ولكنى أصرح أن أحداً منهم لا يمكن أن يتهم بالمبالغة فيما روى. ولقد تلوت كثيراً من القضايا، فارتجفت لها اشمئزازاً وروعاً، ولم أر فى "المحققين " الذين التجأوا إلى تلك الوسيلة إلا رجالا بلغ جمودهم حد الوحشية" (١). بيد أن مؤرخاً حديثاً لديوان التحقيق هو الدكتور لى يرى فى هذه الأقوال مبالغة، ويقول لنا إن ديوان التحقيق لم يكن فى إجراءاته الخاصة بالتعذيب، أكثر قسوة أو إرهاقاً من القضاء العادى، وأن ديوان التحقيق الرومانى، كان فى إجراءاته أشد قسوة وفظاعة من الديوان الإسبانى (٢).

وكان معظم أنواع التعذيب المعروفة فى العصور الوسطى، تستعمل فى محاكم التحقيق، ومنها تعذيب الماء، وهو عبارة عن توثيق المتهم فوق أداة تشبه السلم وربط ساقيه وذراعيه إليها، مع خفض رأسه إلى أسفل، ثم توضع فى فمه من زلعة جرعات كبيرة، وهو يكاد يختنق، وقد يصل ما يتجرعه إلى عدة لترات. وتعذيب "الجاروكا" وهو عبارة عن ربط يدى المتهم وراء ظهره، وربطه بحبل حول راحتيه وبطنه، ورفعه وخفضه معلقاً، سواء بمفرده أو مع أثقال تربط معه،


(١) Liorente: ibid.
(٢) Dr. Lea: The History of the Inquisition ; V. III. Ch. VII

<<  <  ج: ص:  >  >>