للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخلاقهم وآراؤهم، بل ذمتهم وشرفهم مثاراً للريب، وكان رأيهم الإدانة دائماً إلا فى أحوال نادرة.

وعلى أثر صدور هذا التقرير، يصدر النائب أمره بالقبض على المبلغ ضده وزجه إلى سجن الديوان السرى. وكانت سجون الديوان المخصصة لاعتقال المتهمين بالكفر أو الزيغ، وهى المعروفة بالسجون السرية، غاية فى الشناعة والروعة، تتصل مباشرة بغرف التحقيق والعذاب، عميقة مظلمة رطبة تغص بالحشرات والجرذان. ويصفد المتهمون بالأغلال (١). ويقول لورنتى مؤرخ ديوان التحقيق الإسبانى إن أفظع ما فى أمر هذه السجون هو أن من يزج إليها، يسقط فى الحال فى نظر الرأى العام، وتلحقه وصمة لا تلحقه من أى سجن آخر مدنى أو دينى، وفيها يسقط فى غمار حزن لا يوصف وعزلة عميقة دائمة، ولا يعرف إلى أى مدى وصلت قضيته، ولا ينعم بتعزية مدافع عنه. غير أن لورنتى ينفى تصفيد المتهمين بالأغلال الثقيلة فى أرجلهم وأيديهم وأعناقهم، ويقول إن هذا الإجراء لم يكن يتبع إلا فى أحوال نادرة (٢). ويقول الدكتور لى: "كان القبض الذى يجريه ديوان التحقيق فى ذاته عقوبة خطيرة. ذلك أن أملاك السجين كلها تصادر وتصفى على الفور، وتقطع جميع علائقه بالعالم حتى تنتهى محاكمته. وتستغرق المحاكمة عادة من عام إلى ثلاثة، لا يعرف السجين أو أسرته خلالها شيئاً عن مصيره، وتدفع نفقات سجنه من ثمن أملاكه المصفاة، وكثيراً ما تستغرقه المحاكمة" (٣).

ولا يخطر المتهم بالتهم المنسوبة إليه، ولكنه يمنح عقب القبض عليه ثلاث جلسات فى ثلاثة أيام متوالية، تعرف بجلسات الرأى أو الإنذار، وفيها يطلب إليه أن يقرر الحقيقة، ويوعد بالرأفة إذا قرر وفق ما ينسب إليه، وينذر بالشدة والنكال إذا كذب أو أنكر، لأن "الديوان المقدس" لا يقبض على أحد دون قيام الأدلة الكافية على إدانته، وهى طريقة غادرة محيرة. فإذا اعترف المتهم بما ينسب إليه ولو كان بريئًا، اختصرت الإجراءات وقضى عليه بعقوبة أخف، ولكنه إذا اعترف بأنه كافر مطبق، فإنه


(١)
Dr. Lea: History of the Inquisition of Spain, V. I. Chap. IV
(٢) Don S. A. Liorente: Historia Critica de la Inquisicion de Espana (١٨١٥-١٨١٧)
وهو مؤلف نقدى ضخم ويمتاز بكون مؤلفه اسبانى، وهو حبر خدم ديوان التحقيق أعواماً طويلة. وكان فى أواخر حياته يشغل فيه منصب السكرتير العام.
(٣) Dr. Lea: The Moriscos of Spain

<<  <  ج: ص:  >  >>