التنظيم عظيم الأثر فى تطور ديوان التحقيق الإسبانى. ذلك أنه غدا من ذلك الحين محكمة قومية مستقلة، وغدا سلطة يخافها أعظم العظماء فى اسبانيا، ويرتجف لذكرها الفرد العادى، وأضحى نشاطها الرهيب، وقضاؤها المدمر، عنصراً بارزاً فى التاريخ الإسبانى، يقوم بدوره الفعال فى دفع اسبانيا إلى شفا المنحدر، الذى لبثت تتردى فى غمره زهاء ثلاثة قرون.
ولبث تُركيمادا فى منصب المحقق العام حتى توفى فى سنة ١٤٩٨. وفى عهده اشتد نشاط محاكم التحقيق واتسعت أعمالها، وكان هذا القس المتعصب بالرغم من تقشفه، يعتبر بعد العرش أعظم سلطة فى اسبانيا، ويعيش فى قصور باذخة، وله حرس كبير من الفرسان والمشاة. وكان من جراء شدته وعسفه أن ندب البابا سنة ١٤٩٤ إلى جانبه خمسة من المحققين العامين، يتمتع كل منهم بنفس سلطته. ولما توفى خلفه فى منصب المحقق العام ديجو ديسا أسقف جيان، واستمر فى منصبه حتى سنة ١٥٠٧ م.
- ٤ -
ونقدم الآن عرضاً موجزاً لإجراءات ديوان التحقيق. وسنرى أنها بأصولها وتفاصيلها، أبعد ما يكون عن مبادىء المنطق والعدالة، وأشد ما يكون عسفاً وقسوة وهمجية.
تبدأ قضايا الديوان أو محاكماته الفرعية، بالتبليغ أو ما يقوم مقامه، كورود عبارة فى قضية منظورة تلقى شبهة على أحد ما. ولا فرق بين أن يكون التبليغ مع شخص معين أو يكون غفلا. ففى الحالة الأولى يدعى المبلغ ويذكر أقواله وشهوده، وتعتبر أقوال المبلغ وشهوده "تحقيقاً تمهيدياً". كذلك يمكن التبليغ بواسطة "الإعتراف" الذى يتلقاه القسس، ولهم أن يبلغوا عما يقعون عليه من حالات الإشتباه فى العقائد، ولا توضح لهم الوقائع التى يُسئلون عنها بل يسئلون بصفة عامة، عما إذا كانوا قد رأوا أو سمعوا شيئاً يناقض الدين الكاثوليكى أو حقوق الديوان. ويقوم الديوان فى الوقت نفسه بإجراء التحريات السرية المحلية عن المبلغ ضده. ثم تعرض نتيجة التحقيق التمهيدى على " الأحبار المقررين " ليقرروا ما إذا كانت الوقائع والأقوال المنسوبة إلى المبلغ ضده تجعله مرتكباً لجريمة الكفر أو تلقى عليه فقط شبهة ارتكابها.
وقرارهم يحدد الطريقة التى تتبع فى سير القضية. ويقسم المقررون يمين الكتمان أيضاً، وكان معظم أولئك المقررين من القسس الجهلاء المتعصبين، ومن ثم فقد كانت