وحاول كثير من المتنصرين النجاة بالفرار إلى ضياع الأشراف، فصدر أمر ملكى بتسليم الهاربين إلى محكمة التحقيق، وهدد الأشراف بفقد وظائفهم والنفى من الكنيسة، إذا تخلوا عن تنفيذ الأمر. وحاول بعض أكابر المتنصرين فى الوقت نفسه تدبير مؤامرة، لمقاومة محكمة التحقيق والفتك بأعضائها، ولكن المؤامرة اكتشفت وقبض على كثير منهم، وقضى بإعدام البعض حرقاً، وبذا سحقت كل مقاومة لنشاط الديوان الجديد.
واتسع نشاط الديوان بسرعة، واستصدر الملكان من البابا مرسوماً بتعيين سبعة من "المحققين" الجدد (فبراير سنة ١٤٨٢)، وأنشئت على أثر ذلك محاكم التحقيق فى قرطبة وجيان وشقوبية وطليطلة وبلد الوليد، وشمل نشاط الديوان سائر أنحاء المملكة الإسبانية (قشتالة وأراجون).
وكان فرناندو وإيسابيلا يرميان إلى أن تسبغ الصفة القومية على ديوان التحقيق، وأن يكون سلطانه مستمداً من العرش، أكثر مما هو مستمد من البابوية. ولتحقيق هذه الغاية رؤى أن ينظم الديوان على أسس جديدة. وكان الديوان قد غدا فى الواقع أداة هامة مرهوبة الجانب، ولابد لهذه الأداة من سلطة عليا تقوم بالتوجيه والإرشاد.
ومن ثم فقد صدر المرسوم البابوى فى سنة ١٤٨٣ بإنشاء مجلس أعلى لديوان التحقيق ( Suprema) له اختصاص مطلق فى كل ما يتعلق بشئون الدين، ويتألف من أربعة أعضاء منهم الرئيس، وأطلق على منصب الرئيس منصب "المحقق العام" Inquisitor General، وصدر المرسوم البابوى فى أكتوبر سنة ١٤٨٣ بتعيين القس توماس دى تركيمادا معترف الملكين، فى هذا المنصب الخطير، وخول فى الوقت نفسه سلطة مطلقة فى وضع دستور جديد للديوان المقدس.
وكان تركيمادا حبراً شديد التعصب، وافر البأس والعزم، فبذل فى تنظيم الديوان وتوطيد سلطانه جهوداً عظيمة، وبث إليه روحاً من الصرامة. وكان جل غايته أن يجعل من ديوان التحقيق الإسبانى، أداة قومية تعمل وفقاً لحاجات اسبانيا، وقد وفق فى تحقيق هذه الغاية إلى أبعد حد. وبدىء بوضع دستور الديوان الجديد فى سنة ١٤٨٥، على يد جمعية من المحققين العامين عقدت فى إشبيلية، ووضعت طائفة من القرارات واللوائح، ثم عقدت بعد ذلك جمعية أخرى فى بلد الوليد سنة ١٤٨٨ ووضعت عدة لوائح جديدة، وعقدت جمعية ثالثة فى آبلة سنة ١٤٩٨.
وتولى المجلس الأعلى (السوبريما) بعد ذلك صياغة اللوائح وتنقيحها. وكان هذا