وأحرق عدد من أولئك المتنصرين. ولكن قشتالة التى شغلت يومئذ بمشاكلها الداخلية، لم تعن بأمر المتنصرين ولم تزعجهم. وهنا تدخل البابا سكستوس الرابع، وحاول أن يدخل نظام التحقيق فى قشتالة، فأرسل إليها مبعوثاً بابوياً مزوداً بكل السلطات، للتحقيق والقبض على المارقين ومعاقبتهم. ولكن فرناندو وإيسابيلا وقفا فى وجه هذه المحاولة حرصاً على سلطانهما، وحداّ من سلطة الكنيسة، وأغضت إيسابيلا مدى حين عن تحريض الأحبار، على مطاردة الكبراء المنتمين إلى أصل يهودى إذ كانت تثق بهم وبصادق نياتهم وغيرتهم فى خدمة الدولة والعرش.
على أن هذه المقاومة لم تلبث طويلا. ذلك أن كل الظروف كانت تمهد لظفر السياسة الكنسية، فلم تلبث أن غلبت مساعى الأحبار، وقبل الملكان إنشاء ديوان التحقيق فى قشتالة، ليضطلع بمثل المهام الخطيرة التى يضطلع بها فى أراجون. وهنا يقال إن الفضل فى إقناع الملكة إيسابيلا بتحقيق هذه الفكرة يرجع إلى القس توماس دى تُركيمادا رئيس دير الآباء الدومنيكان فى سانتا كروث بشقوبية، وقد كان معترف الملكة وله عليها نفوذ قوى، فقيل إنه استطاع أن يحصل منها قبل اعتلائها العرش، على وعد بأنها متى ظفرت بالملك، فإنها تكرس حياتها لسحق الكفر وحماية الكثلكة، وأنه كان أكثر العاملين على إقناعها بالموافقة على إنشاء ديوان التحقيق. وفى سنة ١٤٧٨ أرسل فرناندو وإيسابيلا سفيرهما إلى البابا، للحصول على المرسوم البابوى، وصدر المرسوم بالفعل فى نوفمبر من هذا العام بالتصريح بإنشاء ديوان التحقيق فى قشتالة، وتعيين المحققين "لمطاردة الكفر ومحاكمة المارقين"، واتخذت الخطوة الحاسمة لتنفيذ المرسوم فى سبتمبر سنة ١٤٨٠، حيث ندب المحققون الثلاثة الأول، وأنشئت محكمة التحقيق الأولى فى إشبيلية. وهكذا بدأ ديوان التحقيق الإسبانى نشاطه المروع فى قشتالة.
- ٣ -
وبدأ الديوان أعماله فى إشبيلية بإصدار قرارات يحث فيها كل شخص أن يساعد الديوان، فى البحث عن الملحدين والكفرة، وكل من فى عقيدتهم زيغ، وفى جمع الأدلة على إدانتهم، وفى التبليغ عنهم بأية وسيلة، وانقضت العاصفة بالأخص على اليهود المتنصرين، وكانت منهم طائفة كبيرة فى إشبيلية، فلم يمض عام حتى بلغت ضحاياهم ألوفاً أحرق منهم عدد كبير، وعوقب الكثيرون بالسجن والغرامات الفادحة، والمصادرة والتجريد من الحقوق المدنية