للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يزال مصدر خطر دائم على سلامتها وطمأنينتها، ومن ثم كان هذا الإمعان فى مطاردته وإرهاقه، بمختلف الفروض والقيود والمغارم، وفى انتهاك عواطفه وحرماته، وفى تعذيبه وتشريده، وكان يلوح أن ليس لهذا الإستشهاد الطويل المؤثر من آخر سوى الفناء ذاته.

توفى فرناندو الكاثوليكى فى ٢٣ يناير سنة ١٥١٦، بعد أن عانت بقية الأمة الأندلسية من غدره وعسفه ما عانت؛ وكانت زوجه الملكة إيسابيلا قد سبقته إلى القبر، قبل ذلك بأحد عشر عاماً، فى ٢٦ نوفمبر سنة ١٥٠٤، ودفنت تحقيقاً لرغبتها فى غرناطة، فى دير سان فرنسيسكو القائم فوق هضبة الحمراء، ودفن فرناندو إلى جانب زوجه بالحمراء، تحقيقاً لوصيته، ثم نقل رفاتهما فيما بعد إلى كنيسة غرناطة العظمى، التى أقيمت فوق موقع مسجد غرناطة الجامع، فى عهد حفيدهما الإمبراطور شارلكان، وأقيم لهما فيها ضريح رخامى فخم، ما يزال حتى اليوم فى مقدمة مزارات غرناطة النصرانية. وفى دفن فاتحى غرناطة الإسلامية فى حرم جامع غرناطة القديم، مغزى خاص ينطوى على تنويه ظاهر بظفر اسبانيا، وظفر النصرانية على الإسلام.

وقد كان الغدر والرياء، أبرز صفات هذا الملك العظيم المظفر، الذى أتيح له القضاء على دولة الإسلام بالأندلس. وقد نوه بهذه الصفة الذميمة أكابر المؤرخين المعاصرين واللاحقين، ومنهم المؤرخون القشتاليون أنفسهم (١). ويقول معاصره الفيلسوف السياسى مكيافيللى فى حقه: "إن فرناندو الأرجونى غزا غرناطة فى بداية حكمه، وكان هذا المشروع دعامة سلطانه. وقد استطاع بمال الكنيسة والشعب أن يمد جيوشه، وأن يضع بهذه الحرب أسس البراعة العسكرية التى امتاز بها بعد ذلك، وقد كان دائماً يستعمل الدين ذريعة ليقوم بمشاريع أعظم، وقد كرس نفسه بقسوة تسترها التقوى لإخراج المسلمين من مملكته وتطهيرها منهم، وبمثل هذه الذريعة غزا إفريقية، ثم هبط إلى إيطاليا، ثم هاجم فرنسا ... " (٢).


(١) فمثلا يقول المؤرخ ثوريتا Zurita، وهو من أكابر المؤرخين الإسبان فى القرن السادس عشر فى وصفة: "وكان مشهوراً لا بين الأجانب فقط، ولكن بين مواطنيه أيضاً، بأنه لا يحافظ على الصدق، ولا يرعى عهداً قطعه، وأنه كان يفضل دائماً تحقيق صالحه الخاص، على كل ما هو عدل وحق". راجع: Prescott, cit. Zurita (Anales) ; ibid ; p. ٦٩٧ (note)
(٢) Machiavelli: The Prince (Everyman) , p. ١٧٧ & ١٧٨

<<  <  ج: ص:  >  >>