للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم يعثوه إلى مدريد، ليشرح للمليك ظلامتهم وآلامهم (سنة ١٥٢٦). فندب الإمبراطور محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق، برياسة المحقق العام لتنظر فى ظلامة المسلمين، ولتقرر بالأخص ما إذا كان التنصير الذى وقع على المسلمين بالإكراه، يعتبر صحيحاً ملزماً، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت، أم يطبق القرار الجديد عليهم كمسلمين. وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة، بأن التنصير الذى وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة، لأنهم سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه، فكانوا بذلك أحراراً فى قبوله. ويعلق المؤرخ الغربى النصرانى على ذلك القرار بقوله: "وهكذا اعتبر التنصير الذى فرضه القوى على الضعيف، والظافر على المغلوب، والسيد على العبد، منشئاً لصفة لا يمكن لإرادة معارضة أن تزيلها" (١). وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكى بأن يرغم سائر المسلمين الذين نصروا كرهاً، على البقاء فى اسبانيا، باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية، قضى عليهم بالموت والمصادرة، وقضى الأمر فى الوقت نفسه، بأن تحول جميع المساجد الباقية فى الحال إلى كنائس.

فكان لهذه القرارات لدى المسلمين أسوأ وقع، وما لبثت الثورة أن نشبت فى معظم الأنحاء التى يقطنها المسلمون، فى أحواز سرقسطة وفى منطقة بلنسية وغيرها، وأخمدت هذه الثورات المحلية الضئيلة تباعاً. ولكن بلنسية كان لها شأن آخر ذلك أنها كانت تضم حشداً كبيراً من المسلمين، يبلغ زهاء سبعة وعشرين ألف أسرة (٢)، وكان وقوعها على البحر يمهد للمسلمين سبل الإتصال بإخوانهم فى المغرب، ومن ثم فقد كانت دائماً فى طليعة المناطق الثائرة، وكانت الحكومة الإسبانية تنظر إليها باهتمام خاص، فلما فرض التنصير العام أبدى المسلمون فى بلنسية مقاومة عنيفة، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية (بنى وزير) Benaguacil، واضطرت الحكومة أن تجرد عليهم قوة كبيرة مزودة بالمدافع، وأرغم المسلمون فى النهاية على التسليم والخضوع، وأرسل إليهم الإمبراطور إعلان الأمان على أن ينصروا، وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة (٣).


(١) راجع تاريخ De Marlés الذى وضعه بالاقتباس من تاريخ كوندى: Hist. de la Domination des Arabes

(٢) Espagne ; V. III. p. ٣٨٩
Liorente ; ibid.
(٣) Dr. Lea: The Moriscos ; p. ٩١ & ٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>