للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعصب، التى خبت نوعاً فى عهد أبيه شارل الخامس. وكان هذا الملك المتعصب حبراً فى قرارة نفسه، يخضع لوحى الأحبار والكنيسة، ويرى فى الموريسكيين ما تصوره الكنيسة والسياسة الرجعية، عنصراً بغيضاً خطراً دخيلا على المجتمع الإسبانى، فلم تمض أعوام قلائل على تبوئه الملك، حتى ظهرت بوادر التعصب والتحريض ضد الموريسكيين، فى طائفة من القوانين والفروض المرهقة.

وكانت مسألة السلاح فى مقدمة المسائل، التى كانت موضع الاهتمام والتشدد، وقد عنيت السياسة الإسبانية منذ البداية بتجريد الموريسكيين من السلاح، واتخذت أيام فرناندو إجراءات لينة نوعاً، فكان يسمح بحمل أنواع معينة من السلاح المنزلى كالسكين وغيرها، وذلك بترخيص ورسوم معينة. ولكن الحكومة خشيت بعد ذلك عواقب هذا التسامح، فأخذت تشدد فى الترخيص، وجرد المسلمون فى بلنسية من سلاحهم جملة، وقيل لهم حينما أذعنوا للتنصير، أنهم سيعاملون كالنصارى فى سائر الحقوق والواجبات ويرد لهم سلاحهم، ولكن الحكومة لم تف بعهدها. وفى سنة ١٥٤٥ صدر قرار بمنع حمل السلاح كافة، ولكنه نفذ بشىء من اللين. وفى سنة ١٥٦٣، فى عهد فيليب الثانى، صدر قانون جديد يحرم حمل السلاح على الموريسكيين، إلا بترخيص من الحاكم العام، وأحيط تنفيذه بمنتهى الشدة، فأثار صدوره سخط الموريسكيين، وكان السلاح ضرورياً للدفاع عن أنفسهم فى محلاتهم المنعزلة النائية، بيد أن قانون تحريم السلاح، لم يكن سوى مقدمة لقانون أقسى وأشد إيلاماً، هو القانون الخاص بتحريم استعمال اللغة العربية، وارتداء الثياب العربية، على الموريسكيين.

وقد لبثت اللغة والتقاليد العربية فى الواقع للموريسكيين، أوثق الروابط بماضيهم وتراثهم، وكانت عماد قوتهم المعنوية، ومن ثم كانت عناية السياسة الإسبانية، بالعمل على محوها بطريق التشريع الصارم، والقضاء بذلك على آخر الروابط التى تربط الموريسكيين، بماضيهم وتراثهم القومى. وقد فكر بعض أحبار الكنيسة أن يتعلم القسس الذين يقومون بحركة التنصير اللغة العربية، لكى يستطيعوا إقناع الموريسكيين بلغتهم، والنفاذ إلى أعماق نفوسهم، ولكن فيليب الثانى لم يوافق على هذا الرأى، وآثر أن تعلّم القشتالية لأبناء الموريسكيين منذ طفولتهم؛ وكانت السياسة الإسبانية قد حاولت تنفيذ مشروعها منذ عهد الإمبراطور شارلكان، فصدر فى سنة ١٥٢٦ قانون يحرم على الموريسكيين التخاطب باللغة العربية وارتداء الثياب العربية، واستعمال الحمامات، وإقامة الحفلات على الطريقة الإسلامية، ولكنه لم ينفذ بشدة،

<<  <  ج: ص:  >  >>