(ديوان التحقيق)، ثم ترد إليهم أملاكهم الثابتة والمنقولة التى أخذت منهم إلى الأحياء منهم، ويسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلص، ولا تصادر المهور التى دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التى ارتكبوها، بل تبقى هذه المهور للأولاد الذين يولدون من هذا الزواج، وأن يتمتع بهذا الإمتياز النصرانيات الخلص اللاتى يتزوجن من الموريسكيين، بالنسبة للأملاك التى يقدمها الأزواج الموريسكيون برسم الزواج أو الميراث (١).
وهكذا لبثت السياسة الإسبانية أيام الإمبراطور شارلكان (١٥١٦ - ١٥٥٥) إزاء الموريسكيين، تتردد بين الإقدام والإحجام، واللين والشدة. بيد أنها كانت على وجه العموم أقل عسفاً وأكثر اعتدالا، منها أيام فرناندو وإيسابيلا. وفى عهده نال الموريسكيون كثيراً من ضروب الإعفاء والتسامح الرفيقة نوعاً، ولكنهم لبثوا فى جميع الأحوال موضع القطيعة والريب، عرضة للإرهاق والمطاردة، ولبثت محاكم التحقيق تجد فيهم دائماً ميدان نشاطها المفضل.
- ٢ -
على أن هذه السياسة المعتدلة نوعاً، لم يتح لها الاستمرار فى عهد ولده وخلفه فيليب الثانى (١٥٥٥ - ١٥٩٨). وكان التنصر قد عم الموريسكيين يومئذ، وغاضت منهم كل مظاهر الإسلام والعروبة، ولكن قبساً دفيناً من دين الآباء والأجداد، كان لا يزال يجثم فى قراره هذه النفوس الأبية الكليمة، ولم تنجح اسبانيا النصرانية بسياستها البربرية فى اكتساب شيىء من ولائها المغصوب. وكان الموريسكيون يحتشدون جماعات كبيرة وصغيرة فى غرناطة وفى بسائطها، وفى منطقة البشرّات الجبلية، تتوسطها الحاميات الإسبانية والكنائس، لتسهر الأولى ْعلى حركاتهم، وتسهر الثانية على إيمانهم وضمائرهم، وكانوا يشتغلون بالأخص بالزراعة والتجارة، ولهم صلات تجارية واجتماعية وثيقة بثغور المغرب، وهو ما كانت ترقبه السلطات الإسبانية دائماً بكثير من الحذر والريب.
وكانت بقية من التقاليد والمظاهر القديمة، مازالت تربط هذا الشعب الذى زادته المحن والخطوب اتحاداً، وتعلقاً بتراثه القومى والروحى؛ وكانت الكنيسة تحيط هذا الشعب العاق، الذى لم تنجح تعاليمها فى النفاذ إلى أعماق نفسه، بكثير من البغضاء والحقد. فلما تولى فيليب الثانى ألفت فرصتها فى إذكاء عوامل الاضطهاد
(١) Arch. gen. de Simancas ; P. R. Leg. ٢٨, Fol. ٤٩