للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى فيليب الثانى، وإلى وزيره الطاغية الكردينال اسبينوسا، سيد اسبانى نبيل من أعيان غرناطة يدعى الدون خوان هنريكس، وكان يعطف على هذا الشعب المنكود، ويرى خطر السياسة التى اتبعت لإبادته، وسار معه إلى مدريد اثنان من أكابرهم هما خوان هرناندث من أعيان غرناطة، وهرناندو الحبقى من أعيان وادى آش، والتمس الوفد إلى الملك إرجاء تنفيذ القانون كما حدث أيام أبيه، وبعث الدون هنريكس بمذكرة إلى جميع أعضاء مجلس الملك يبين فيها ما يترتب على تنفيذ القانون من حرج واضطراب، ولكن مساعيه كلها ذهبت عبثاً، وأجاب الكردينال اسبينوسا، بأن جلالته مصمم على تنفيذ القانون، وأنه أصبح أمراً واقعاً. وكذا عرض المركيز دى مونديخار حاكم غرناطة على الملك اعتراض الموريسكيين، وأوضح له خطورة الموقف، وأن اليأس قد يدفعهم إلى الثورة، وأن الترك، أصبحوا فى شواطىء المغرب على مقربة من اسبانيا، وأن الموريسكيين شعب عدو لا يدين بالولاء، فلم تفد هذه الاعتراضات شيئاً، وقيل إن الموريسكيين شعب جبان، ولا سلاح لديه ولا حصون. وهكذا حملت سياسة العنف والتعصب فى طريقها كل شىء، ونفذت الأحكام الجديدة فى المواعيد التى حددت لها، ولم تبد السلطات فى تنفيذها أى رفق أو مهادنة (١).

ولم يحظ بلمحة من الرفق سوى الموريسكيون فى بلنسية، وكان زعيمهم وكبير أشرافهم كوزمى بن عامر من المقربين إلى البلاط، فسعى للتخفيف عنهم، وكللت مساعيه بالنجاح فى بعض النواحى، وهو أن يعامل الموريسكيون بالرفق فى حالة الإتهام بالردة، ولا تنزع أملاكهم بتهمة المروق، وذلك على أن يدفعوا إتاوة سنوية قدرها ألفان وخمسمائة مثقال لديوان التحقيق (٢).

وأما فى غرناطة فقد بلغ اليأس بالموريسكيين ذروته، فتهامسوا على المقاومة والثورة، والذود عن أنفسهم إزاء هذا العسف المضنى، أو الموت قبل أن تنطفىء فى قلوبهم وضمائرهم، آخر جذوة من الكرامة والعزة، وقبل أن تقطع آخر صلاتهم بالماضى المجيد والتراث العزيز، وكانت نفوسهم ماتزال تضطرم ببقية من شغف النضال والدفاع عن النفس، وكانوا يرون فى المناطق الجبلية القريبة ملاذاً للثورة،


(١) Prescott: Philip II of Spain ; V. III. p. ١٢-٢٩ ; Marmol: ibid ; II. Cap.
IX & XIII وكذلك Dr. Lea: The Moriscos p. ١٥٠, ١٥١ & ٢٣٠-٢٤٠
(٢) Dr. Lea: ibid ; p. ١٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>