للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى كل يوم نسام سوء العذاب، ولا حيلة لنا سوى المصانعة، حتى ينقذنا الموت مما هو شر وأدهى.

وقد حكّموا فينا اليهود الذين لا عهد لهم ولا ذمام، وفى كل يوم يبحثون عن ضلالات وأكاذيب وخدع وانتقامات جديدة.

ونرغم على مزاولة الشعائر النصرانية وعبادة الصور، وهى مسخ للواحد القهار، ولا يجرؤ أحد على التذمر أو الكلام. وإذا ما قرع الناقوس ألقى القس عظته بصوت أجش، وفيها يشيد بالنبيذ ولحم الخنزير، ثم تنحنى الجماعة أمام الأوثان دون حياء ولا خجل ...

ومن عَبَد الله بلغته قضى عليه بالهلاك، ومن ضبط ألقى إلى السجن وعذب ليل نهار حتى يرضخ لباطلهم.

ثم يصف وسائل إرهاقهم والتضييق عليهم، من التسجيل والتفتيش وغيرها، وما يفرض عليهم من الضرائب الفادحة، وكيف تؤدى عن الحىّ والميت، والكبير والصغير والغنى والفقير، وكيف يرهقهم القضاة الظلمة، ولا يفلت من ظلمهم كائن، وكيف يلقى بهم فى السجن، ويرغمون على التنصير بالاعتقال والتعذيب، وكيف تهشم أوصال الفرائس، ثم تحمل إلى الميدان لتحرق أمام الجمع الحاشد.

وكيف تكدس المظالم على رؤوسهم تكديساً، ويسومهم الخسف أصاغر النصارى، وكل منهم يفتن فى ضروب الإضطهاد.

ثم يقول: ولقد علقوا يوم العيد (عيد سقوط غرناطة)، فى ميدان باب البنود، قانوناً جديداً، وأخذوا يدهمون الناس فى نومهم، ويفتحون كل باب، يزمعون تجريدنا من ثيابنا وقديم عاداتنا، ويمزقون الثياب ويحطمون الحمامات.

ونحن إذ نيأس من عدل الإنسان نستغيث بالنبى، معتمدين على ثواب الآخرة، وقد حثنا شيوخنا على الصلاة والصوم، وأن نقصد وجه الله، فهو الذى يرحمنا فى نهاية الأمر" (١).

وضبط فى نفس الوقت مع ابن داود خطاب موجه من أحد زعماء البيازين إلى رؤساء المغرب وإخوانهم فى الدين. وكان هذا الكتاب واحداً من كتب عديدة وجهت خفية، إلى أمراء الثغور فى المغرب، يطلبون إليهم الغوث والعون، فحمل


(١) أورد مارمول ترجمة قشتالية كاملة لهذه القصيدة ومنها لخصنا ما تقدم. راجع:
Marmol: ibid ; III. Cap. IX

<<  <  ج: ص:  >  >>