للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب إلى حاكم غرناطة، وفيه يناشد كاتبه إخوانه بالمغرب، ويستحلفهم الغوث بحق روابط الدين والدم، ويصف ما قرره النصارى "من إرغامهم على ترك اللغة، وتركها فقد للشريعة، وكشف الوجوه الحيية المحتشمة، وفتح الأبواب، وما أنزل بهم من محن السجن والأسر ونهب الأملاك" ويطلب إليهم أن يبلغوا استغاثتهم إلى سلطان المشرق، قاهر أعدائه، ثم يقول: "لقد غمرتنا الهموم وأعداؤنا يحيطون بنا إحاطة النار المهلكة. إن مصائبنا لأعظم من أن تحتمل، ولقد كتبنا إليكم فى ليال تفيض بالعذاب والدمع، وفى قلوبنا قبس من الأمل، إذا كانت ثمة بقية من الأمل فى أعماق الروح المعذب" (١)؛ ولكن الحكومات المغربية كانت مشغولة بمشاكلها الداخلية، فلم يلب داعى الغوث سوى جماعة من المتطوعين، الذين نفذوا سراً إلى إخوانهم فى البشرّات، ومنهم كثيرون من البحارة المجاهدين، الذين كانوا حرباً عواناً على الثغور والسفن الإسبانية فى ذلك العصر.

واستمر الموريسكيون على عزمهم وأهبتهم، وأرسلت خطابات عديدة من ابن فرج وزملائه إلى مختلف الأنحاء يدعون فيها إخوانهم إلى التأهب وإخطار سائر إخوانهم. وفى شهر ديسمبر سنة ١٥٦٨ وقع حادث كان نذير الانفجار، إذ اعتدى الموريسكيون على بعض المأمورين والقضاة الإسبانيين فى طريقهم إلى غرناطة، ووثبت جماعة منهم فى نفس الوقت بشرذمة من الجند، كانت تحمل كمية كبيرة من البنادق، ومثّلت بهم جميعاً. وفى الحال سار ابن فرج على رأس مائتين من أتباعه، ونفذ إلى المدينة ليلا، وحاول تحريض مواطنيه فى "البيازين" على نصرته، ولكنهم أبوا أن يشتركوا فى مثل هذه المغامرة الجنونية. ولقد كان موقفهم حرجاً فى الواقع، لأنهم يعيشون إلى جانب النصارى على مقربة من الحامية، وهم أعيان الطائفة ولهم فى غرناطة مصالح عظيمة، يخشون عليها من انتقام الإسبان. بيد أنهم كانوا يؤيدون الثورة: يؤيدونها برعايتهم ونصحهم ومالهم؛ فارتد ابن فرج على أعقابه واجتاز شعب جبل شلير (سيرّا نفادا) إلى الهضاب الجنوبية، فيما بين بلّش وألمرية.

فلم تمض بضعة أيام، حتى عم ضرام الثورة جميع الدساكر والقرى الموريسكية فى أنحاء البشرات، وهرعت الجموع المسلحة إلى ابن فرج، ووثب الموررسكيون بالنصارى القاطنين فيما بينهم، ففتكوا بهم ومزقوهم شر تمزيق.


(١) أورد مارمول أيضاً ترجمة قشتالية كاملة لهذا الخطاب. راجع Marmol: ibid ;
III. Cap. IX

<<  <  ج: ص:  >  >>