للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٣ -

اندلع لهيب الثورة فى أنحاء الأندلس، ودوت بصيحة الحرب القديمة، وأعلن الموريسكيون استقلالهم، واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت. وبدأ الزعماء باختيار أمير يلتفون حوله، ويكون رمز مُلْكهم القديم، فوقع اختيارهم على فتى من أهل البيازين يدعى الدون فرناندو دى كردوبا وفالور (١). وكان هذا الإسم النصرانى القشتالى، يحجب نسبة عربية إسلامية رفيعة. ذلك أن فرناندو دى فالور كان ينتمى فى الواقع إلى بنى أمية، وكان سليل الملوك والخلفاء، الذى سطعت فى ظلهم الدولة الإسلامية فى الأندلس، زهاء ثلاثة قرون. وكان فتى فى العشرين تنوه الرواية القشتالية المعاصرة بوسامته ونبل طلعته، وكان قبل انتظامه فى سلك الثوار مستشاراً ببلدية غرناطة، ذا مال ووجاهة. وكان الأمير الجديد يعرف خطر المهمة التى انتدب لها، وكان يضطرم حماسة وجرأة وإقداماً. ففى الحال غادر غرناطة سراً إلى الجبال، ولجأ إلى شيعته آل فالور فى قرية برذنار Beznar، فهرعت إليه الوفود، والجموع من كل ناحية، واحتفل الموريسكيون بتتويجه فى التاسع والعشرين من ديسمبر (سنة ١٥٦٨) فى احتفال بسيط مؤثر، فرشت فيه على الأرض أعلام إسلامية ذات أهلة، فصلى عليها الأمير متجهاً صوب مكة، وقبل أحد أتباعه الأرض رمزاً بالخضوع والطاعة، وأقسم الأمير أن يموت فى سبيل دينه وأمته، وتسمى باسم ملوكى عربى هو محمد بن أمية صاحب الأندلس وغرناطة، واختار عمه المسمى فرناندو الزغوير (الصغير)، واسمه المسلم ابن جوهر قائداً عاماً لجيشه، وقد كان صاحب الفضل الأكبر فى اختياره للرياسة، وانتخب ابن فرج كبيراً للوزراء، ثم بعثه على رأس بعض قواته إلى هضاب البشرّات، ليجمع ما استطاع من أموال الكنائس؛ واتخذ مقامه فى أعماق الجبال فى مواقع منيعة، وبعث رسله فى جميع الأنحاء، يدعون الموريسكيين إلى خلع طاعة النصارى والعود إلى دينهم القديم (٢).

ووقعت نقمة الموريسكيين بادىء ذى بدء، على النصارى المقيمين بين ظهرانيهم فى أنحاء البشرات، ولاسيما القسس وعمال الحكومة، وكان هؤلاء يقيمون فى محلات متفرقة سادة قساة، يعاملون الموريسكيين بمنتهى الصرامة والزراية، وكان


(١) كردوبا أى قرطبة، وفالور قرية غرناطية تقع على مقربة من أجيجر.
(٢) Marmol: ibid ; IV, Cap. VII

<<  <  ج: ص:  >  >>