القسس بالأخص سبب بلائهم ومصائبهم، ومن ثم فقد كانوا ضحايا الثورة الأولى.
وانقض ابن فرج ورجاله على النصارى فى تلك الأنحاء ومزقوهم تمزيقاً، وقتلوا القسس وعمال الحكومة، ومثلوا بهم أشنع تمثيل؛ وكانت حسبما تقول الروايات القشتالية مذبحة عامة، لم ينج منها حتى النساء والأطفال والشيوخ. وذاعت أنباء المذبحة الهائلة فى غرناطة، فوجم لها الموريسكيون والنصارى معاً، وكل يخشى عواقبها الوخيمة؛ وكان الموريسكيون يخشون أن يبطش النصارى بهم انتقاماً لمواطنيهم، وكان النصارى يخشون أن يزحف جيش الموريسكيين على غرناطة، فتسقط المدينة فى أيديهم، وعندئذ يحل بهم النكال الرائع. بيد أن الرواية القشتالية تنصف هنا محمد بن أمية، فتقول إنه لم يحرض على هذه المذابح، ولم يوافق عليها، بل لقد ثار لها وحاول أن يحول دون وقوعها، وعزل نائبه ابن فرج عن القيادة، فنزل راضياً واندمج فى صفوف المجاهدين. وهنا يختفى ذكره ولا يبدو على مسرح الحوادث بعد (١).
- ٤
-
وكانت غرناطة فى أثناء ذلك ترتجف سخطاً وروعاً، وكان حاكمها المركيز دى منديخار يتخذ الأهبة لقمع الثورة منذ الساعة الأولى. بيد أنه لم يكن يقدر مدى الإنفجار الحقيقى، فغصت غرناطة بالجند، ووضع الموريسكيون أهل البيازين تحت الرقابة، رغم احتجاجاتهم وتوكيدهم بأن لا علاقة لهم بالثائرين من مواطنيهم؛ وخرج منديخار من غرناطة بقواته فى ٢ يناير سنة ١٥٦٩، تاركاً حكم المدينة لابنه الكونت تندليا، وعبر جبل شلير (سيرّا نفادا)، وسار توًّا إلى أعماق البشرات حيث يحتشد جيش الثوار. وكانت الثورة الموريسكية فى تلك الأثناء قد عمت أنحاء البشرات الشرقية والجنوبية، واضطرمت فى أجيجر وبرجة وأدرة وأندرش ودلاية ولوشار ومرشانة وشلوبانية وغيرها من البلاد والقرى.
واستطاع الموريسكيون أن يتغلبوا بسهولة على معظم الحاميات الإسبانية المتفرقة فى تلك الأنحاء، بل لقد سرت الثورة إلى أطراف مملكة غرناطة القديمة، حيث اندلع لهيبها فى وادى المنصورة فى قراه ودساكره، ولم يتخلف عن الاشتراك فى الثورة سوى رندة ومربلة ومالقة، وكانت بها حاميات اسبانية قوية، ونشبت الثورة
(١) Prescott: Philip II; V. III. Ch. II. وكذلك؛ Dr. Lea: The Moriscos p. ٢٣٧