ووقعت فى نفس الوقت فى غرناطة مذبحة مروعة أخرى، فقد كان فى سجنها العام نحو مائة وخمسين من أعيان الموريسكيين، اعتقلوا رهينة وكفالة بالطاعة، فأذاع الإسبان أن الموريسكيين سيهاجمون غرناطة لإنقاذ السجناء، بمؤازرة مواطنيهم فى البيازين، وعلى ذلك صدر الأمر بإعدام السجناء، فانقض الجند عليهم وذبحوهم فى مناظر مروعة من السفك الأثيم.
وكان لهذه الحوادث الأخيرة أثر فى إذكاء الثورة، وكان نذيراً جديداً للموريسكيين بأن الموت فى ساحة الحرب خير مصير يلقون، فسرى إليهم لهب الثورة بأشد من قبل، وطافت بهم صيحة الإنتقام، فانقضوا على الحاميات الإسبانية المبعثرة فى أنحاء البشرّات ومزقوها تمزيقاً، وهزموا قوة إسبانية تصدت لقتالهم، واحتشدت جموعهم مرة أخرى تملأ الهضاب والسهل، وعاد محمد بن أمية ثانية إلى تبوىء عرشه الخطر، والتف حوله الموريسكيون أضعاف ما كانوا، وبعث أخاه عبد الله إلى قسطنطينية بطلب العون من سلطانها، وأرسل فى نفس الوقت إلى أمير الجزائر وإلى سلطان مراكش الشريفى يطلب الإنجاد والغوث، ولكن سلاطين قسطنطينية لم يلبوا ضراعة الموريسكيين بالرغم من تكرارها منذ سقوط غرناطة، وأرسل أمير الجزائر مشجعاً ومعتذراً عن عدم إمكان إرسال السفن، ووعد سلطان مراكش بالمساعدة والغوث، ولكن هذا الصريخ المتكرر من جانب الموريسكيين لم ينتج أثره المنشود، ولم يلبه غير إخوانهم المجاهدين فى إفريقية، فقد استطاعت جموع جريئة مخاطرة، أن تجوز إلى الشواطىء الإسبانية، ومنهم فرقة من الترك المرتزقة، وأن تهرع إلى نصرة المنكوبين.
وهكذا عاد النضال إلى أشده، وخشى الإسبان من احتشاد الموريسكيين فى البيازين ضاحية غرناطة، فصدر قرار بتشريدهم فى بعض الأنحاء الشمالية. وكانت مأساة جديدة مزقت فيها هذه الأسر التعسة، وفرق فيها بين الآباء والأبناء والأزواج والزوجات، فى مناظر مؤثرة تذيب القلب، وسار المركيز لوس فيليس فى نفس الوقت إلى مقاتلة الموريسكيين، فى سهول المنصورة على مقربة من أراضى مرسية، ونشبت بينه وبينهم وقائع غير حاسمة، ولم يستطع متابعة القتال لنقص فى الأهبة والمؤن، وكان بينه وبين زميله منديخار خصومة ومنافسة، كانتا سبباً فى اضطراب الخطط المشتركة. واتهم منديخار بالعطف على الموريسكيين فاستدعى إلى مدريد، وأقيل من القيادة، واتخذت مدريد خطوتها الجديدة الحاسمة فى هذا الصراع الذى لا رحمة فيه ولا هوادة