للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمر النصارى عصوراً زعماء هذه المهنة. ولم تكن ثمة بحريات منظمة تقوم بمطاردة أولئك الخوارج. وكانت المغانم الوفيرة من الإتجار فى الرقيق، والبضائع المهربة، وافتداء الرقيق، تذكى عزمهم، وتدفع إليهم بسيل من المغامرين من سائر الأمم، ولما ظهرت الأساطيل الكبرى منذ القرن الرابع عشر، ضعف أمر أولئك المغامرين.

ولم تكن هذه المياه خلوا من نشاط المغامرين المسلمين، ولكنهم لم يظهروا فى هذا الميدان إلا منذ القرن الخامس عشر، حينما ضعف أمر الأندلس والدول المغربية وسادتها الفوضى، واضطربت العلائق البحرية والتجارية المنظمة بين دول المغرب والدول النصرانية. وكانت الشواطىء المغربية تقدم إليهم المراسى الصالحة. ولما اشتد ساعد البحرية التركية بعد استيلاء الترك على قسطنطينية، زاد نشاط المغامرين المسلمين فى البحر. وكان سقوط غرناطة واضطهاد الإسبان للمسلمين، إيذاناً بتطور هذه المغامرات البحرية، ونزول الأندلسيين والموريسكيين المنفيين إلى ميدانها واتخاذها مدى حين صورة الجهاد والإنتقام القومى والدينى، لما نزل بالأمة الأندلسية الشهيدة من ضروب العسف والإرهاق (١).

وقد بدأت هذه الغارات البحرية على الشواطىء الإسبانية، عقب استيلاء الإسبان على غرناطة، وإكراههم المسلمين على التنصير. فى ذلك الحين غادر الأندلس آلاف من الأندلسيين المجاهدين، أنفوا العيش فى الوطن القديم، فى مهاد الذلة والاضطهاد، تحت نير الإسبان، وعبروا البحر إلى عدوة المغرب، وقلوبهم تفيض حقداً ويأساً، واستقروا فى بعض القواعد الساحلية، مثل وهران والجزائر وبجاية، ووهب الكثيرون منهم حياتهم للجهاد فى سبيل الله، والانتقام من أولئك الذين قضوا على وطنهم، وظلموا أمتهم، وانتهكوا حرمة دينهم. وكان البحر يهيىء لهم هذه الفرصة، التى لم تهيئها لهم الحرب البرية، وكانت شواطىء المغرب بطبيعتها الوعرة، وثغورها ومراسيها وخلجانها الكثيرة، التى تحميها وتحجبها الصخور العالية، أصلح ملاذ لمشاريع أولئك البحارة المجاهدين والقراصنة المغيرين. وكانت الجزائر وبجاية وتونس أفضل قواعدهم للرسو والإقلاع، وكانت هذه الغارات البحرية ْتعتمد بالأخص على عنصر المفاجأة، وتنجح فى معظم الأحيان فى تحقيق غاياتها. ويصف بيترو مارتيرى هذه الغارات بإسهاب ويقول إن فرناندو الخامس أمر فى سنة ١٥٠٧، للتحوط ضد هذه الغارات بإخلاء الشاطىء الجنوبى، من جبل طارق


(١) Lane - Poole: The Barbary Corsairs p. ٢٦ & ٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>