للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناحية بلنسية، حيث يوجد حشد كبير من الموريسكيين، وأن زعماء الموريسكيين وعدوا بإضرام نار الثورة، وتقديم عدد كبير من الجند، ولم يطلبوا سوى السلاح، وكان من المنتظر أن تقوم الثورة الموريسكية فى سنة ١٦٠٥، ولكن المؤامرة اكتشفت فى الوقت المناسب، وانهار مشروع الغزو. وهذه الروايات العديدة التى جمعها "ديوان التحقيق" الإسبانى على يد أعوانه وجواسيسه، تنقصها الأدلة التاريخية الحقة (١).

على أن الخطر الحقيقى، كان يتمثل فى غارات المجاهدين من خوارج البحر المسلمين، على الثغور والشواطىء الإسبانية. وتملأ سير هذه الغارات فراغاً كبيراً فى الرواية الإسبانية، وتسبغ عليها الرواية صفة الإنتقام للأندلس الشهيدة. وقد لبثت هذه الغارات طوال القرن السادس عشر، واستمرت دهراً بعد إخراج العرب المتنصرين من اسبانيا. ويشير المقرى مؤرخ الأندلس إلى مغزى هذه الغارات البحرية بعد إخراج الموريسكيين، فيقول إنهم انتظموا فى جيش سلطان المغرب، وسكنوا سلا وكان منهم من الجهاد فى البحر ما هو مشهور الآن (٢).

ويجب أن نذكر أن مياه البحر المتوسط شرقه وغربه، كانت خلال العصور الوسطى، دائماً مسرحاً سهلا للأساطيل الإسلامية. فمنذ أيام الأغالبة والفاطميين، ومنذ خلافة قرطبة ثم المرابطين والموحدين، كانت الأساطيل الإسلامية تجوس أواسط هذا البحر وغربيه، وكانت الدول الإسلامية الأندلسية والمغربية، ترتبط مع الدول النصرانية الواقعة فى شمال هذا البحر، مثل البندقية وجنوة وبيزة، بمعاهدات ومبادلات تجارية هامة، وكان التسامح يسود يومئذ علائق المسلمين والنصارى، وتغلب المصالح التجارية والمعاملات المنظمة، على النزعات الدينية والمذهبية.

وقد كانت المغامرات البحرية الحرة وأعمال "القرصنة"، توجد فى هذه العصور دائماً، إلى جانب نشاط الأساطيل الرسمية. وكان البحر المتوسط منذ أقدم العصور مسرحاً لهذه المغامرات، وكان معظم خوارج البحر (القراصنة) يومئذ من النصارى، من الأمم التى غزت البحر فى عصور متقدمة، مثل اليونان وأهل سردانية وجنوة ومالطة. وفى أيام الصليبيين ازدهرت المغامرات فى البحر المتوسط،


(١) Dr. Lea: The Moriscos ; p. ٢٨١ - ٢٨٤ & ٢٨٦ - ٢٨٨
(٢) نفح الطيب ج ٢ ص ٦١٧. وقد أنجز المقرى كتابه سنة ١٦٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>