كانت اسبانيا النصرانية إذاً، أبعد من أن تطمئن إلى مجتمع العرب المتنصرين، فقد كانوا فى نظر الكنيسة أبدا كفرة مارقين، وكانت الدولة من جانبها تلتمس المعاذير لاضطهاد هذا المجتمع الدخيل ومطاردته، فهى تخشى أن يعود إلى الثورة، وهى تخشى من صلاته المستمرة مع مسلمى إفريقية ومع سلطان الترك، وهى مازالت تحلم بتطهير اسبانيا من الآثار الأخيرة للشعب الفاتح، والقضاء إلى الأبد على تلك الصفحة من تاريخ اسبانيا.
...
والواقع أن صلات الموريسكيين مع أعداء اسبانيا، لبثت شغلا شاغلا للسياسة الإسبانية. وقد كانت الممالك والإمارات المغربية فى الضفة الأخرى من البحر، على استعداد دائماً لأن تصغى إلى هذا الشعب المنكود، سليل إخوانهم الأمجاد فى الدين، وأن تعاونه كلما سنحت الفرص. وكان سلاطين الترك يتلقون من الموريسكيين صريخ الغوث من آن لآخر، وكانت المنافسة بين الترك واسبانيا يومئذ على أشدها، فى مياه البحر المتوسط، وكانت طوائف الموريسكيين تعيش على مقربة من الثغور الشرقية والجنوبية. وأكثر من ذلك أن السياسة الإسبانية كانت تخشى دسائس فرنسا خصيمتها القوية يومئذ، وتخشى تفاهمها المحتمل مع الموريسكيين. وكانت هذه الظروف كلها تحمل اسبانيا النصرانية، على أن تعتبر الموريسكيين خطراً قومياً يجب التحوط منه، والعمل على درئه بكل الوسائل.
وتسوق الرواية الإسبانية إلينا دلائل هذا الخطر فى حوادث كثيرة. ففى سنة ١٥٧٣ وقفت السلطات الإسبانية على أنباء مفادها أن أمراء تلمسان والجزائر يدبرون حملة بحرية لمهاجمة "المرسى الكبير" فى مياه بلنسية، يعاونهم الموريسكيون فيها بالثورة، ولذا بادرت السلطات بنزع السلاح من الموريسكيين فى بلنسية، وقيل بعد ذلك إن هذه الحملة المغربية كانت ستقترن بغزوة فرنسية لأراجون، ينظمها حاكم بيارن الفرنسى، وأن سلطان الترك وسلطان الجزائر كلاهما يؤيد المشروع، وأن أساطيل الغزو كانت تزمع النزول فى مياه برشلونة وفى دانية، وفيما بين مرسية وبلنسية، وأن الفضل فى فشل هذا المشروع كله يرجع إلى حزم الدون خوان ونزع سلاح الموريسكيين. ومما يدل على أن اسبانيا لبثت حيناً على توجسها من فرنسا ودسائسها لدى الموريسكيين، ما تسوقه الرواية الإسبانية من أن هنرى الرابع ملك فرنسا، كانت له فى ذلك مشاريع خطرة، ترمى إلى غزو اسبانيا من