للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفى سنة ١٥٧٧ جددت التهم القديمة ضد بنى عامر، وقبض على كوزمى وأخيه خوان، وحوكم كوزمى وشرح للمحكمة عقيدته الدينية، وهى مزيج من الإسلام والنصرانية، وعقدت الجلسات الأولى، ولكن القضية أوقفت قبل أن يصل التحقيق إلى مرحلة التعذيب، مما يدل على أن بنى عامر استطاعوا بالرغم من سوء حالتهم المالية يومئذ، أن يحصلوا على براءتهم وإطلاق سراحهم بدفع مبلغ من المال (١).

ْوهكذا نرى أن الموريسكيين استطاعوا بالرغم من العسف المنظم، الذى فرضته الدولة والكنيسة عليهم زهاء قرن، أن يحتفظوا فى قرارة نفوسهم الكليمة، ببقية راسخة من تراثهم الروحى القديم.

هذا من ناحية الدين والعقيدة؛ وأما من الناحية الاجتماعية، فقد كان الموريسكيون يكونون مجتمعاً متماسكاً متضامناً، قوياً بنشاكه ودأبه وذكائه، وقد بلغ عددهم فى أواخر القرن السادس عشر وفقاً لتقدير سفير البندقية زهاء ستمائة ألف نفس، وقدر البعض الآخر عددهم يومئذ بأربعمائة ألف نفس، وهو عدد ضخم بالنسبة لمجموع سكان اسبانيا فى ذلك الحين، وهو لم يتعد الثمانية ملايين.

ووصفهم سفير البندقية فى سنة ١٥٩٥، أى بعد قرن من سقوط غرناطة، بأنهم شعب ينمو باضطراد فى العدد والثروة، وأنهم لا يذهبون إلى الحرب، ولكن يكرسون نشاطهم للتجارة واجتناء الربح. وذكر الكاتب الإسبانى الكبير ثرفانتيس (٢) فى بعض رسائله أن الموريسكيين يتكاثرون وكلهم يتزوج، ولا يدخلون أولادهم قط فى سلك الكهنوت أو الجيش، ويقتصدون فى الإنفاق ويكتنزون المال، فهم الآن أغنى الطوائف فى اسبانيا. وأما عن الناحية الاقتصادية فقد قيل إن الموريسكيين كانوا يحتكرون تجارة الأغذية، ويضعون يدهم على المحاصيل عند نضجها، ومنهم تجار البقالة والماشية، ومنهم القصابون والخبازون وأصحاب الفنادق وغيرهم، وهم لا يشترون العقارات احتفاظاً بحرية استعمال أموالهم، وقد كان ذلك من أسباب غناهم وقوتهم الإقتصادية (٣).


(١) Dr. Lea: History of the Inquisition ; V. III. p. ٣٦٢ - ٣٦٥
(٢) مجيل ثرفانتس دى سافدرا (١٥٤٧ - ١٦١٦) من أعظم كتاب اسبانيا وشعرائها، وهو مؤلف قصة الفروسية الشهيرة "دون كيخوتى دى لامانشا".
(٣) Dr. Lea: The Moriscos p. ٢٠٤ & ٢١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>