للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأخبار في وقتها. فما توفي والده، وافاه في مساء نفس اليوم رسول من قبل حبيب الخصي، يستدعيه إلى القصر بسرعة، فبادر إلى القصر متنكراً وقد أخفي سلاحه تحت ثيابه، خوفاً من دسائس أخيه ومنافسه عبد الله، لتمكن نفوذ أمه داخل القصر. وكان الصقالبة قد كتموا موت الأمير، وأغلقوا أبواب القصر، وثارت بينهم مناقشات عنيفة حول ولاية العرش، وانتهى الأمر بتفضيل محمد وتقرير استدعائه. وخرج محمد من غرفة أبيه المسجي إلى مجلس البيعة، واستدعى إخوته التسعة والأربعين، وعمومته، وأهل بيته، وعظماء المملكة. وأخذت له البيعة دون خلاف (يوم الجمعة الرابع من ربيع الأول ٢٣٨ هـ)، ثم أخذت له بيعة الكافة في المسجد الجامع أياماً متوالية (١).

أوردنا هذه التفاصيل لنقف على نوع الإجراءات التي كانت تتخذ لتقرير ولاية العهد، في إمارة قرطبة الأموية، ثم لنقف على الدور الذي أخذ يضطلع به الفتيان الصقالبة منذ الآن فصاعداً في مسألة خلافة العرش، وهو دور كان له أثره الحاسم في كثير من المواطن.

وكان محمداً أميراً ذكياً فطناً بالأمور (٢)، تولى والأفق الذي ظلل عصر أبيه العظيم مازال يحتفظ بلمعانه، وملوك اسبانيا النصرانية يحسبون حسابه، ويشعرون بأنه خلف كفء لأبيه، وملوك العدوة القريبين من الأندلس يخطبون وده، وملك الفرنج يسعى إلى عقد السلم معه.

وأقر محمد حاجب أبيه عيسى بن شهيد، ومعظم الوزراء الذين كانوا يتولون خدمة أبيه على خططهم ومراتبهم؛ وصنع نظاماً جديداً للوزارة، تتميز فيه الخطط الرفيعة على غيرها، ويمتاز فيه الوزراء بنوع من التعظيم والتجلة، وقدم الوزراء من أهل الشام على غيرهم من الأندلسيين والبربر، وأعلاهم في الجلوس على أرائكهم ببيت الوزارة. وكان بنفسه يشرف على أعمال الوزارة والكتاب، ويدقق في أعمالهم وتصرفاتهم وحساباتهم (٣). ولما توفي عيسى بن شهيد، خلفه في الحجابة عيسى بن الحسن بن أبي عبدَة، وكان بالرغم من رثاثة هيئته وزيراً قوياً،


(١) ابن حيان عن أحمد بن محمد الرازي، وعيسى بن أحمد الرازي، ومعاوية بن هشام الشبينسي؛ مخطوط القرويين اللوحات ٢١٥ إلى ٢٢٠ ب.
(٢) ابن الأثير ج ٧ ص ١٤١.
(٣) ابن حيان عن أحمد الرازي؛ مخطوط القرويين لوحة ٢٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>