للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وافر الفطنة والذكاء، صائب الرأي والتقدير. وكان هاشم بن عبد العزيز من بين وزراء الأمير محمد، أشدهم خصومة ومنافسة للحاجب ابن أبي عبدة، وكان في نفس الوقت أحب وزراء الأمير إليه، وأكثرهم حظوة لديه، فلم يلبث أن غلب نفوذه على سائر الوزراء. ويقول لنا ابن عبد البر إن هذه الحظوة التي استأثر بها الوزير هاشم لدى الأمير محمد، كان لها أثر سيىء في تصرفات الأمير، وأنه أي هاشم قد أفسد عليه أمره، " فشرّهه، وصلفه، وحمله على غير المنهج من محمود طرقه، وعدل عن اختيار ثقات العمال، من الشيوخ والكهول أولي النهي والأصول، إلى الأحداث من أولي الشر والخيانة ودناءة الأصول. فلم يلبث الأمر أن فسد بذلك إلى أبعد حال .. فنجمت الفتنة بأكثر البلاد، وكثر في الأرض الفساد في المملكة " (١).

وفي أقوال ابن عبد البر عن هذا التحول في سياسة الأمير محمد وفي أساليب حكمه مبالغة، ينقضها ما أورده صاحب البيان المغرب وغيره عن صفاته (٢). وعلى أى حال فسوف نرى أى دور خطير يلعبه الوزير هاشم بن عبد العزيز، الذي تولى الحجابة فيما بعد، في ميدان الحرب والسياسة في عهد الأمير محمد.

وقد شاء القدر أن يكون عهد محمد بداية عصر من أخطر عصور التاريخ الأندلسي، وأشدهم خطراً على ملك بني أمية، وعلى دولة الإسلام في الأندلس.

ذلك أنه ما كاد يتبوأ العرش، حتى بدأت طلائع تلك الثورة الجارفة، التي قدر له أن يضطلع بكفاحها طوال حكمه، الذي امتد خمسة وثلاثين عاماً، والذي يصفه ابن حيان بقوله: " والمشوب آخره بالتنكيد، المنصرم عن فرقة الجماعة، ونجوم النفاق بكل جهة ".

ففي منتصف ربيع الثاني سنة ٢٣٨ هـ، يعنى لأيام قلائل فقط من وفاة عبد الرحمن، وولايه محمد، تحرك أهل طليطلة التي ما فتئت تفيض بعوامل الثورة.

وكان بها عندئذ سعيد بن الأمير محمد، والعامل عليها حارث بن بزيع. وكان جماعة من المارقين وأهل الشر، قد اجتمعوا في الهضبة القريبة من المدينة المسماة " جبل الأخوين " بزعامة مسوقة بن مطرّف، وهو أحد الزعماء الخوارج الذين فروا من قرطبة، فلما وقفوا على وفاة الأمير عبد الرحمن، كاتبوا أهل طليطلة وحرضوهم على الوثوب بسعيد ومن معه. فاضطرمت الثورة داخل المدينة،


(١) نقله ابن حيان، مخطوط القرويين اللوحة ٢٢٢ أ.
(٢) راجع البيان المغرب ج ٢ ص ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>