للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وساعدهم ابن مطرف بحشوده من الخارج، وانتهى الأمر بهزيمة جند الأمير، واستطاع سعيد أن يغادر المدينة، ولكن الثوار أسروا عاملها حارثاً، ورفضوا إطلاق سراحه حتى أطلقت حكومة قرطبة رهائنهم المعتقلة هناك (١). وفي صيف العام التالي (سنة ٢٣٩ هـ - ٨٥٣ م) بعث الأمير محمد أخاه الحكم في جند الصائفة إلى قلعة رباح، وكانت قد أقفرت وخربت وغادرها معظم أهلها، عقب مهاجمة أهل طليطلة الخوارج لها، وقتلهم كثيراً من أهلها، فاحتلتها جند الأمير، وقامت بإصلاح أسوارها، واستدعى أهلها الفارون وأمنوا؛ وفعل الحكم مثل ذلك بحصن شندلة، الواقع على النهر المسمى بهذا الإسم Jandula، وهو من أفرع الوادي الكبير؛ وجالت جند الأمير في تلك المنطقة تطهيراً من الثوار، وخرجت منها حملة سارت جنوباً، فلقيتها عصابات الخوارج من أهل طليطلة في فحص أندوجر، ووقعت بين الفريقين معركة عنيفة هزم فيها جند الأمير، وردوا بخسارة فادحة (شوال سنة ٢٣٩ هـ). وعلى أثر ذلك خشي أهل مدينة جيّان القريبة على أنفسهم من عيث الخوارج، فغادرها كثير منهم إلى الجبال، وابتنى الأمير محمد لهذا السبب حصن " أندة " على مقربة جيان، وضم إليه العرب المقيمين على الطاعة، وسمى المكان لذلك " أندة العرب " (٢).

وعندئذ شعر محمد بما يهدد العاصمة من الأخطار، وأراد أن يلقي على ثوار طليطلة، درساً عميق الأثر، فسار إليها في المحرم سنة ٢٤٠هـ (يونيه ٨٥٤ م) على رأس قوة كبيرة. وكانت أول حملة يقودها بنفسه بعد تبوئه الملك. وكان عماد الثورة في طليطلة جمع كبير من المولدين والنصارى، الذين تحركهم روايات المتعصبين، عن الاضطهاد الذي يلقاه إخوانهم في قرطبة، وكانوا يتطلعون دائماً إلى عون ملك النصارى، فلما استشعروا عزم محمد على قتالهم، بادروا بالاستعانة بأردونيو (أردن) ملك ليون، وكذلك بملك نافار، وأمدهم أردونيو بقوة على رأسها الكونت غاتون (٣). وكان تدخل النصارى على هذا النحو لتأييد الثورة ضد حكومة قرطبة، عاملا في إذكاء حماسة المسلمين، فهرعت جموع كبيرة إلى جيش الأمير، ومنهم كثير من الفرسان الأشراف وذوي الحسب، وسار محمد صوب


(١) ابن حيان عن الرازي في مخطوط القرويين لوحة ٢٥٩ أ.
(٢) مخطوط القرويين لوحة ٢٥٩ ب.
(٣) ابن خلدون ج ٤ ص ١٣٠، والبيان المغرب ج ٢ ص ٩٧. ويقول صاحب البيان إن الكونت غاتون هو أخ لملك ليون.

<<  <  ج: ص:  >  >>